من الطبيعي أن يحب الجنوبيون رؤساءهم وهم في السلطة ، وإن أهلكوا الحرث والنسل ، فهذه عادات وتقاليد عربية أصيلة .. لكن أن يحبوهم ويلبسوهم حلَّة من القداسة ويعتبروا انتقادهم خيانة وعمالة وهم خارج السلطة فهذا مخالف للطبيعة البشرية .. والعقل والنقل يقولان : أنَّ الخيانة والعمالة هما تأييد القائد الأرعن على رعونته ، أمَّا نقده فهو وسيلة من وسائل نصحه إذا كان من المنتصحين .
والمقابلة التلفزيونية التي بين أيدينا اليوم ليست بذلك الغموض الذي يصعب تقويمها ، فهي في مجملها من حيث الشكل العام أكدت للمتابع العربي هشاشة رأس الحراك .. وأكدت حقيقة أننا شعب يقوده شخص لا يصلح لإدارة مديرية .. وعندما انتقد أداء الرئيس البيض فلا يعني أنِّي أفضل منه ، بل يعني أنِّي متابع باهتمام ، والمتابع أو المتفرج أكثر قدرة على قنص الأخطاء من المشارك نفسه .. والواجب على البيض أن يستفيد من ملاحظاتنا في تطوير نفسه ، ويتعلم فطلب العلم ليس له سن محدد .. وإذا رفض ملاحظات الآخرين على أدائه السيئ وأخذته العزَّة بالإثم فسينكشف أمره أمام الشعب طال الزمان أو قصر .. فالشعوب تغير رأيها بدون مقدمات ، وتبغض بقدر ما أحبت ، فإذا غضبت فتحت الدفاتر القديمة والجديدة .
وللتدليل على مدى سوء أدائه في المقابلة نتناول سؤالين فقط .. السؤال بخصوص الأموال التي يمتلكها الرئيس البيض ؛ وقد ذكرتني إجابته بنصائح والدي ابن عمر حفظه الله عندما قال لي يا ولدي لمَّا تكون تكذب ، اكذب مثل الصدق أو قل الحقيقة ولو كنت مخطئا . وليت لا أوه ركبه ، وهذه النصيحة البيض أولى بها مني .. فلو سألت فاشلا في التجارة لقال : إنَّ معدل دوران رأس المال ونسبة الربح في كل دورة لن تصل بأولاد البيض إلى حجم املاكهم اليوم في ظل تجارتهم المعروفة إلَّا في حالة واحدة إذا كان رأس المال المدفوع عند التأسيس في ???? يتجاوز ??? مليون دولار .
والسؤال الثاني هو المتعلق بأحداث المنصة ؛ أجاب الرئيس البيض أن كل الخلافات الجنوبية ستنتهي عندما يقبل نظام صنعاء التفاوض الندي مع الجنوبيين . وأن الجنوبيين لن يختلفوا في من يمثلهم في تلك المفاوضات . وأنَّ هناك مدسوسين يعملون لصالح نظام صنعاء افتعلوا الحادثة!
أولاً ؛ قول الرئيس البيض "أن الخلافات ستنتهي عندما يقبل نظام صنعاء التفاوض الندي ولن يختلف الجنوبيون على من يمثلهم في التفاوض" !! أقسم بالله هذا الكلام لا يمكن أن تزلَّ به لسان جندي فكيف برئيس ، بل لا يوجد إنسان على الأرض يقول : سوف تنحل خلافاتنا إذا قبل خصمنا التفاوض معنا .. إنَّ هذا الكلام يصيب الحراك في مقتل ويهدي نظام صنعاء هدية مفادها أن الشعب الجنوبي سيظل في تمزق حتى تقبلوا التفاوض معه فلا تفاوضوه .
وأمَّا قوله عن وجود مدسوسين افتعلوا حادثة المنصة ؛- فهذا دليل على أنَّه رجل مصاب بمرض الارتياب ، أو أنَّه يحتقر عقل المواطن الجنوبي .. فحادثة المنصة كانت بين اللجنة التحضيرية للشباب من طرف وقاسم عسكر وبامعلم وشلال شايع وردفان سعيد ومن معهم من الطرف الآخر ،، والذي أنا على يقين منه أنَّ الطرفين ليسوا خونة ولا مدسوسين ، فمن هو المدسوس من وجهة نظرك يا رئيس؟ والمحزن أن البيض لم يترحم على شهيد المنصة ، ولم يعبر حتى عن أسفه لما حدث!
وهناك معنى تضمنه كلام البيض وهو : أنَّه غير مستعد للقبول بأي حلول جنوبية لرأب الصدع والتمزق الجنوبي الذي هو سببه الرئيس .. فهو يعتقد أن الشعب الجنوبي قد اختاره للتفاوض باسمه .. وفي رأيي أن هذا الاعتقاد هو الجنون الحقيقي ، ودليل على عدم امتلاكه استراتيجية نضالية .. وكل ما في جعبته هو إشاعة الفوضى - إسقاط أي مكون سياسي جنوبي - منع ظهور أي وجوه سياسية جديدة - تعطيل وإعاقة أي مؤتمر جنوبي يوحد النخبة السياسية الجنوبية على كلمةٍ سواء .. وهدف البيض من ذلك أن يبق هو الخيار الجنوبي الوحيد أمام العالم .
أيُّها المواطن ؛ اختلي بنفسك - وفكر - وتأمل - واحسب حسابك - واعلم أن أصحاب صنعاء لا يفاوضون خصومهم إلَّا إذا علموا إنَّهم يملكون قوة مسلحة لا يمكن كسرها والتاريخ أصدق شاهد فلا يخدعك البيض . ونصيحة للرئيس البيض : غير بطانتك الغبية التي تجرُّك من غباء إلى جهالة ، ومن جهالة إلى عتة ، ومن عتة إلى جنون ، ومن الجنون إلى ما الله به عليم .
ختاماً ؛ أعلم أنَّ كل ما أكتبه لا يوافق جزء من الذائقة الشعبية ومع ذلك سأكتبه حتى يتحقق أحد ثلاثة أمور ، إمَّا أن تُصلِح القيادة أخطاءها ،، أو أن يصحو الشعب ويقدم قيادة جديدة قادرة على قيادته إلى حسم الصراع وحينها سأضع قلمي في جرابه وأعود جنديا كما كنت ،، أو أن أصل إلى قناعة أنَّي قد نصحت قومي فلم يستجيبوا فتبرأ ذمتي إلى الله.
مقالات أخرى