حين تحاصر المواطن البسيط والمطحون المشاكل وتتحكم بسير حياته يهرب البعض للتبرير والسخرية من واقعه اليومي المعاش ؛ مما يعرف " بالنكتة السياسية " التي يتخذها البسطاء وسيلة معارضة شعبية لنقد المجتمع وقادته وقضاياه ، هذه النكتة السياسية البسيطة تفسر الواقع الاجتماعي والسياسي المعاش وتكشفه ، وتسقط قدسية المسكوت عنه في المجتمع وتعرِّيه .
تمتاز النكتة السياسية بالبساطة والمعاناة معا ، فهي لسان المواطن الضعيف الذي افتقد كل الوسائل لإيصال رأيه واحتياجاته ، وتعتبر النكتة السياسية في الدول ذات الممارسة الديمقراطية الحقيقية مقياس حقيقي لمعرفة الرضاء والسخط الشعبي عن الحاكم والحكومة وسياستها ، بينما في الدول العربية تعد جريمة وقذف وسب في الذات الملكية ، ومساس بالنظام الجمهوري ؟! .
من النكت المتداولة في الساحة اليمنية المتضاربة المشاريع واللاعبين الرافضة للمركزية التي قامت عليها دولة الوحدة والتي تزعم : بأن مواطنا مات ، وذهب يوم القيامة ليبحث عن اسمه في كشوف الجنة فلم يجده ، ولم يجده أيضا في كشوف النار ، فاحتجَّ رافضا ، فقيل له : راجع صنعاء ؟! .
وأكثر النكت في مجتمعنا تستهدف السياسيين وممارساتهم ، ومنها بان سياسيا قال في خطبته الانتخابية الحاشدة : مَن مات أبوه ، فانا أبوه ، ومن مات ابنه ، فانا ابنه ، فقال بعض الحضور في خبث : فمن ماتت امرأته ؟! .
النكتة السياسية هي في الأصل نابعة من واقع اجتماعي معقد ، ويتسم في الغالب بغياب الحرية والرأي ، فقد سال مدرس الجغرافيا أحدى طلابه بعد أن فرغ من درسه عن انتشار زراعة البن من اليمن إلى كل أقطار العالم : عن أهم ما تتميز به بلدك اليمن ، فأجاب الطالب بسرعة : المطبَّات ؟! .
ونختم تلك النماذج الشعبية من السخرية من الديمقراطية اليمنية إذا سال احد أعضاء مجلس النواب ـ وهو لا يجيد القراءة والكتابة إلا بالاستعانة بصديق : عن دوره في مجلس النواب ، وكيف يستطيع التصويت على القرارات المصيرية ، فأجاب : أنا لا اخرج من بيتي إلا رفعا يدي تأييدا للواجب الوطني ؟! .
النكتة السياسية هي روح الشعب والوعاء الأكبر والأوسع للوقوف على معاناة الشعوب وأحلامهم وآمالهم ، وهي طريقة واقعية تمكن الشعوب من القفز والسخرية من واقعهم اليومي الصعب ، وهي عند البعض وسيلة للهروب من ممارسة السياسية وزيارة السجون ؛ إذا القوانين واللوائح لا تعتبر النكتة السياسية الشعبية جريمة ما لم تنشر أو تكتب أو يصرح بها المواطن المطحون ، وإذا لزم الصمت السياسي واثر السلامة ، فانه ينجو ببدنه وماله من طائلة القوانين وسطوتها ؟! .
مقالات أخرى