تعج حياتنا بالمتناقضات الفكرية والسياسية والثقافية والإعلامية ؟، وتتباعد المسافة بين القول النظري والسلوك العملي . هذا المشهد المحزن ارتسم في مخيلتي حين سمعت من يتحدث عن ميثاق شرف للإعلاميين ، ويطالب بتقديم المهنية الإعلامية الأخلاقية على كل اعتبار ، ويكرر على طول الورشة مصطلح الحيادية إلى حد الإسراف اللفظي ، ولكن ينقطع هذا الغزل اللفظي ، عندما يفتخر بان نقابتنا الصحفية الميمونة انحازت وأيدت الثورة الشبابية ، وطوعت كل طاقاتها الإعلامية والمهنية لتنطق وتتحدث وتصرخ باسم الثورة الشبابية .
وهاهنا تستكمل المأساة حلقاتها وتتقافز التساؤلات والاستفسارات تبحث عن منطق سليم تستغيث به ، وتفك طلاسم الموقف المتناقض بين القول الذي يروج لتقديم المهنية الإعلامية والانحياز لمعايير المهنة والالتزام بميثاق الشرف الصحفي ، والسلوك الواقعي المنحاز للثورة ، فنتيجة المعادلة المتناقضة في الأسباب والنتائج بين القول اللفظي بالمطالب بالمهنية الإعلامية ، وبين السلوك الفعلي العملي المنحاز للثورة الشبابية سيؤدي إلى نتيجة صفرية .
وإذا قبلنا بهذه المعادلة المختلة ، وسلَّمنا بمنطق الثورة وشرعيتها التي هزمت وقتلت معطيات المنطق والمعايير المهنية الأخلاقية ، فان ما تبقى من بقايا الحكمة والعقل يوجب اطراد هذا السلوك النقابي المؤيد لمطالب الثورة الشبابية على ثورة الحراك الجنوبي التي انطلقت عام 1996م وبلغت ذروتها ونضوجها عام 2007م كما قرره الثوار في شعاراتهم وخطاباتهم ، وخاصة ان الحراك الجنوبي قدَّم إضعافا كثيرة من الضحايا والشهداء من الدماء واستلاب الأرض والكرامة والحقوق . فالسؤال المطروح كيف يكون من استوطن الأرض والشارع منذ وقت طويل من أبناء الجنوب متمردا وانفصاليا وعميلا وخارجا عن الملة والإسلام عند البعض ؟ ، بينما من احتل الشوارع والساحات العامة ، واستوطن الحارات الشعبية وسط الأحياء السكنية بحماية عسكرية رسمية ثوريا وشريفا وصاحب مصالح ومطالب شرعية ينبغي مناصرتها وتبجيلها شرعيا وإعلاميا وسياسيا . ما هذا المنطق المقلوب القائم على رأسه ؟ ، وليس راسخا على قدميه ليقول قياداتكم وكوادركم عملاء وخونة ، بينما قيادتنا الثورية وطنيون وشرفاء وثوار رغم أنهم يجوبون أصقاع الأرض ، ويتتبعون الموائد الإقليمية والدولية طلبا للتدخل الدولي ، وسعيا وراء الوصاية الأجنبية على الوطن .
كتب علي عبد الله عبد الرزاق باذيب قديما « من هو البطل ؟َ « ساخرا من الماكنه الإعلامية الغربية التي منحت البطولة للجنود الفرنسيين الغزاة لفيتنام ، ونزعت الوطنية عن المقاتلين الفيتناميين ، ووصمتهم بالإرهابيين والقتلة والمجرمين متناسية بأنهم يدافعون عن أرضهم وعرضهم وكرامتهم ، ما أشبه اليوم بالبارحة ـ فربما تغيرت الأشخاص والشخوص ، وبقيت الأحداث قائمة تكرر نفسها ، وتستجر ماسي التاريخ ، وتستنسخ ثقافة المنتصر .
لسنا نلوم البعض ممن يبحث عن كيان أو نقابة أو تجمع خاص بمنطقتهم وحزبهم وجماعتهم ، طالما لم يجدوا من ينطق باسمهم ، ويكون صوته ظلا للوطن كله بمناطقه ومختلف شرائحه , فلن يكون لسان الإعلاميين نزيها ، ولن تعبر أقلامنا عن جميع أبناء اليمن ، إلا إذا التزمنا الحياد المهني والتزمنا بالمعايير المهنية الأخلاقية ، ولم تسطّر أيدينا كلمات المدح لطرف من أطراف الأزمة اليمنية المتصارعة سياسيا وحزبيا وإعلاميا ؟! .
مقالات أخرى