محمد علي محمد احمد
لن تستقر دولة مستقلة ، أو تقام دولة مستقبلية ، و سلطة الفساد محمية 

بقلم : محمد علي محمد أحمد


إن الفساد آفة الشعوب و بلاء كل المجتمعات سواء الدول المستقلة عن المحتل الأجنبي و المستعمرة من المحتل الداخلي النخبوي العصبوي  و الحكومي الرسمي ، أو الدول التي يبحث قادتها و ساستها عن استقلالها و إعلان دولتها في حين عجزت عن إعلانها تصفية بؤر الفساد المستشري ، و تنقية السموم التي في شرايين مجتمعها تجري ، و الذي يختبئ بين سطور بيان قادتها الثوري ، و على ملامح وجه شعبها المنهك ترسم صورة فساد الوضع المخزي .

و فساد أولئك سرطان و وباء قاتل خبيث فتاك
سقطت ضحيته دولٌ حاولت النهوضَ من الفقر ، و أمم أرادت أن تتحرر ، و شعوب ضحت و عانت و توجعت وضاق منها الصبر ، و ما زالت تلك الشعوب تئِن رغم تحقيقها للنصر ، نصر لم يكن بمستوى تضحياتهم و أبسط حقوقهم أصبحت محلك  سر ، و بين الأحلام و الوعود تنثر ،  و اليوم و قد بلغ السيل الزبى و الشعب من فسادهم و كذبهم قد مل و بهم كفر ، كيف لا وقد فشلوا في امتحانهم الأول و الأكبر ، و عجزوا عن تأمين أبسط خدمات البشر ، و طالما كلٌ  يحمي الفاسد و عليه يتستر ، فمن يحاسب السياسيون و المسؤولون و المتنفذون و هم يضعون أيديهم على خزائن المال العام لسرقة ثروات البلد ، لتعود بالنفع لهم و على نخبة ضيقة و متـنفذة عبر السماح لهم بالحصول على الأموال و المزايا و تقديمِ مصالحِ أصدقائهم و أسرهم و حاشيتهم الغارقون في الفساد و  الجريمة.

و هم بتلك الأفعال و التصرفات الرعناء الجشعة ، و أقبحهم من يفعل ذلك و يتحدثون عن الكرامة و الوطنية !!
تباً لهم فقد حرموا غالبية أبناء الشعب من فرصة المشاركة في ثروات بلدهم و النهوض من الفقر الذي يمثلُ حاجزاً في طريق تحسين الخدمات ،  و شتى القطاعات كالتعليم و الصحة و النظافة العامة و غيرها، كما يغلق الطريق أمام الاستثمار الذي من شأنه توفير فرص عمل و يمنع كذلك تطوير المؤسسات التي يمكن للشعب أن يزدهـر من خلالها.

فالكهرباء مثلاً و ما أدراكم مالكهرباء ،، قصة مفضوحة رواتها لصوص محترفين و كتاب سيناريوهاتها فجرة مجرمين ، و منفذيها حثالات مأجورين ، وضحيتها شعب يبات في هَمٍّ و أرقٍ حزين ، و يصحو إن غلبه النوم من التعب في ضيق يقلب اليدين ، متمنياً لو طال نومه إلى يوم الدين ، بؤس ما بعده بؤس جراء استخفاف بضعة مفسدين من المسؤولين ، نُزِعَ مِنهُمُ الحياء و الدين ، فتراهم رغم عهرهم و نجاسة قلوبهم بالمظاهر يهتمون ، و في التلفزة و الصحافة بالكذب و الدجل يتشدقون ، و  عن مشاريع الوهم و الإفك و المهازل يُصَرِّحُون ، و بربطات العنق و المعاطف الصوف يظهرون ، قبحهم الله من مسؤولين و كيف بمعاناة الشعب سيشعرون ، و مكاتبهم و سياراتهم و بيوتهم مُكَيَّفة في كل وقت و حين ، و حاجتهم و ملذات  أولادهم ميسرة و في البنوك يدخرون ، إلهذا الحد وصلت بكم الدناءة و الفجور غير آبهين ، و حر الصيف في عدن يخلس أبدان الأصحاء من المواطنين ، ولولا الحياء من الله لخرجوا عراة في الشواطئ والميادين ، و أما الأمراض و كبار السن فمنهم من يموت من شدة الحر و ارتفاع الضغط و القلب و غداً سيكونون خصومكم أمام رب العالمين ،  و منهم من تزداد حالته سوءاً و هم في كل ثانية يشكون ظلمكم إلى من حرم الظلم على نفسه و جعله محرم على العالمين  .

و حل هذه المشاكل التي أنتم سببها ، إن أردتم الحل بصدق ، و إن كنتم تؤمنون بأن الله عليكم رقيب حسيب ، يكمن في الحكم الرشيد و الشفافية و فرض القانون ، عبر بناء منظومة قوية و مؤسسات يمكنها مواجهة هذه المشاكل و توفير الخدمات الجيدة التي يستحقها الشعب ، و كذلك من خلال تقارير الرقابة و المحاسبة المغيبة تماماً عن المشهد و تفعيل و إعادة دورها ، و كذا  التحقيقات الصحفية المستقلة ، والتي للأسف باتت صحافتنا اليوم  بعيدة عن معاناة شعبها ، و كل يغني على ليلاه ، فأصبح الفاسدون بدل أن يخيفهم قلم الصحفي الحر الشريف الشجاع ، أصبحوا يمررون فسادهم عبر تلك الوسيلة الإعلامية بكل وقاحة و بأجمل الألقاب و أرقى توصيف ينالهم و بعنوان عريض !!
و اندثرت كذلك  النقاشات المجتمعية المفتوحة التي تكشف ممارسات الفساد و الأفراد المتورطين فيها ، و تبددت الديمقراطية الحقيقية و الشفافية المطلقة التي لا تعرف المحاباة و التعصبات ، لذلك لا يمكننا التجرأ بمقاضاة المتهمين بالفساد ، حتى في حالة ثبوت الاتهامات عليهم ، لأن الفساد أصبح وصمة عار عليهم أجمعين ،
بل ربما يتم التعدي على  الناقدون لفسادهم و فصل المخلصون من وظيفتهم أو تهميشهم و محاربتهم ، و اتهامهم بتهم كيدية لإذلاله و كسره و انتهاك كرامته ، و جرمهم الوحيد هو حبهم لوطنهم و شعورهم بألم و جرح ومعاناة شعبهم .

و مع كل ذلك الإحباط والواقع البئيس التعيس ، إلا أنه بإمكانكم التكفير عن ذنبكم في حق أنفسكم و شعبكم و خالقكم بالعودة إلى الله و إلى جادة الحق والصواب و ذلك  بترتيب شؤون العباد و و تحقيق احتياجاتهم من مطلق التأسيس لدولة مستقرة قبل أن تقفزوا إلى مطلب  الدولة المستقلة و التي لا يمكن بحال من الأحوال أن تتحقق إلا بتحقيق الإستقرار في كل جوانب الحياة المعيشية ، ليتم فيها تقديم الخدمات بمستوى يليق بآدمية الشعب كبقية الشعوب الحرة ، وكذا الإهتمام بالتعليم و الرعاية الصحية و تحقيق الأمن والمساواة و المدنية و النهضة في جميع القطاعات  الخدمية و الحيوية 

 لكنّ .. مفتاح ذلك كله هو الإقتصاد الذي لا يمر بأزمة  كما تَدَّعُون ، فمن يقولون ذلك هم المأزومون و هم المهزومون لا المنتصرين ، لأن أزمة الإقتصاد الحقيقية مفتعلة  و بأيديكم الحل أن تنهضوا بها ، لا أن تركنوا إلى استجداء العطاء من الخارج بذل و مهانة تعكس ضعف القيادة و حلم الدولة 
و لأنكم  تركتم فئام من فاقدي الأخلاق عديمي الضمير و الذمة على هرم السلطة و  المسؤولية ، يعبثون و يعيثون فساداً في مصير هذه الأمة دون ردع و لا حساب و لا محاكمة و عقاب علنية .

لذا فإن مواجهة الفساد و الجريمة و اللامبالاة بالمسؤولية يجب أن يكون من صميم رؤية و برنامج و أولية أي مشروع كان فك ارتباط عن دولة مركزية ، أو مشروعاً ثورياً ديمقراطياً  أو تكتلاً شعبياً  أو تشكيل حكومة وطنية و تأسيس الدولة المستقبلية ، و ما عدا ذلك فهو تكريس للفساد و تمديد للظلم و الإضطهاد و نهاية حتمية لمشروع التحرر من الإستعباد ، و ستسلب منكم كل ما لديكم من سلطة و قوة ، وسندخل جميعاً  في نفق مظلم و فوضى عارمة و قحط و قتل بلا رحمة و إنسانية و مجاعة و  وحشية ، و ستندمون أشد الندم يوم لا ينفعكم ندم على كل فرصة كانت سانحة و مهيأة بالظفر و لو بحفظ ماء وجوهكم و الإيفاء بعهودكم التي نقضتموها و قطعتموها للذين جعلوا من دمائهم وقوداً لشعلة النصر والتمكين  و من  أرواحهم  أعمدة في بطن التراب لتسيروا بثبات على أجسادهم الزكية الطاهرة ، نحو خلاص شعبكم المكلوم من سجنه و تعذيبه ، و حقه في العيش بسعادة و كرامة و حرية .

مقالات أخرى

حينما تموت المدن واقفة.. عدن قصة كفاح ونداء استغاثة ينتظر من يسمعه

غازي العلوي

ورحل عبداللطيف الطبيب الإنسان

فضل الجعدي

إلى شعبنا الجنوبي الصابر الصامد… إلى أبناء عدن الأوفياء

مختار اليافعي

الحوثي مابعد التنميط

صالح علي الدويل باراس