الكذبُ ومن حيث المبدأ هو أولاً وأخيراً كذب بغض النظر عن مشروعيته من عدم مشروعيته، وأن تكذب متعمداً ومدركاً مدى ما ستحدثه أكاذيبك من أضرارٍ يمكنك الاستعداد للتحكم فيها، خير من أن تكذب بغير تعمدٍ ولا تدرك ما سيترتب عليه كذبك من عواقب قد لا تستطيع تحاشي تأثيراتها لاحقاً.
وللمتلقي الذي هو مستمرُ كالبغبغاء فقط يرددُ ما يقوله الملقّن له بلا حذفٍ وتعديلٍ ومراجعة، وبظنّه في هذا وفيّاً للمبادئ التي انبرى مساعداً له عليها، حظه ومن بعد ما يصطدم بواقعٍ آخرٍ معاكس يقع ما بين الطيّب العبيط والغبي المتوهّم.
وللكذب أنواع عديدة فمنهُ ما يسري بين العامة، ومنهُ ما يرقى للخداع والمكر السياسي، والأخير معلوم من حيث الإباحة فلهذا لا يقع على صاحبه اللوم وهو ما يُثير الغثيان وقد تصل معه في مرحلة ما لا طاقة لديك من تحّمله، وإن لم تمسك نفسك حال التعرّض له راح تهرول وتتقيأ لآخر شرابٍ وطعامٍ ينطوي عليه جوفك.
وكما يقولون من الحب ما قتل، أيضاً ومن الكذب ما قتل، ونحن الجنوبيون لم يقتلّنا ويُوردنا المهالك إلٌا إفراطنا في الطيبة التي نتميّز بها تميّزاً غير عادي عن سائر البشر، فبسرعة نتفاعل مع كل ضاهر ما يقال لنا ويملى علينا ودون تمحيص وتثبّت وتحرّي من باطن مصداقيّته، ولأننا جُبلنا أصلاً على عدم ادخارنا للخُبث وسيلة تساعدنا كشف ما يضمرهُ لنا الغير على المسار من عيوبٍ وشرور، لذلك لا نألو جهداً أن نروم ونجري بلا تفكير وراء زيف الدعايات والشعارات المغريةً والرنانة، وبسبب هذه الصّفة المحمودة والتي في نفس الوقت تجلب لصاحبها المتاعب والمعاناة قد نغدو يوماً ومن كثرة ما يلحق بنا من الخدائعِ مضرباً للمثل بين الشعوب.
فما أصابنا لطيلة ست سنوات خلت من قِبل تحالف دعم الشرعيّة، ولا نخص بالذكر منهم أحداً معمومين غير مخصوصين إلّا خيرَ دليل وشاهد على ذلك، فمن حين توهّمنا كجنوبيين من الطرف الظاهر هذا صدق نيته بأنهُ سيلعب دوراً محورياً تجاه قضيتنا المعروفة وهو من حينها ما إلّا نستشعره ناعم الطبع منغمساً بيننا، ولم نكتشف خشونته إلا في وقتٍ متأخرٍ ولكن من بعد أن وقع الفأس في الرأس وتأكد لنا بأم أعيننا أنه في الهواء الطلق يتقمص دورُ الأمُ الرؤوم الحريص بنا، وبالخفاء تحت سقف بيتنا المتواضع يُشق علينا ويُعاندنا بقوة.
مقالات أخرى