نايف المدوري
في ذكرى ثورة أكتوبر الخالدة .. الإنصاف لله ثم للتاريخ

يحتفل شعب الجنوب العظيم بالذكرى ال 57 لثورة أكتوبر الخالدة في ذاكرة الأجيال ، بعد مرور 5 عقود ونيف من انطلاق شرارتها من على جبال ردفان الشماء ، والذي سطر خلالها الثوار أروع الملاحم البطولية ضد أعتى امبراطورية عرفها التاريخ بريطانيا العظمى التي لا تغيب عنها الشمس آنذاك ، في معركة غير متكافئة العتاد والسلاح أو ما يعرف بالتوصيف الحديث التفوق العسكري ، واللوجستي ، والسياسي للطرف الآخر ، ولكن إرادة الشعوب لا تقهر ، فانتصرت ثورة الجنوب المجيدة .

انطلقت ثورة أكتوبر في عام 1963م مع إدراكنا وأيماننا المطلق بالثورات التحررية التي انطلقت ضد المستعمر قبل ذلك العام ، والتي استهدف على إثرها الطيران البريطاني منازل السلاطين في محافظتي لحج وأبين في خمسينيات القرن الماضي ، وسيأتي اليوم الذي يكتب فيه التاريخ بإنصاف دون مداهنة .

عند الحديث عن الثورة والاستعمار يجب أن نكون منصفين حتى مع أعدائنا ، فالحديث عن الاحتلال البريطاني إذا تم مقارنته بالاحتلال الفرنسي للجزائر ، والإيطالي لليبيا ، والأمريكي في عصرنا الحاضر للعراق ، وأفغانستان ، والاحتلال اليمني للجنوب ، فهو احتلال بنّاء ، وليس احتلال هدام مع أن الاحتلال هو احتلال ، ولكن لم يعمد إلى تغيير اللغة العربية كما فعل الاحتلال الفرنسي ، ولم يتدخل البريطانيون في المجال الديني في تغيير المعتقدات أو في العادات والتقاليد ما يعرف بالموروث الشعبي ، بل ما نؤكد عليه في مقالنا هذا أن الحكومة البريطانية كانت أكثر حرصا على الهوية ، والتاريخ للأمة الجنوبية ، وكذلك ما قام به البريطانيون من بناء المدارس ، والمستشفيات ، والجسور ، وتعبيد الطرقات ، ومعظم مشاريع البنية التحتية في العاصمة عدن تم تنفيذها في عهد الاستعمار البريطاني إلى جانب ما أحدثه من ازدهار علمي ، وثقافي ، وفكري مما جعل العاصمة عدن ثغر الجنوب الباسم مركز إشعاع ، وتنوير للوطن العربي ، وللعالم أجمع ، بعكس الاحتلال اليمني الذي جثم على صدور أمة الجنوب العربي 30 عاما ، وما زال إلى يومنا هذا يجرع فيها شعبنا شتى صنوف العذاب ، والحرمان ، والجوع ، والجهل والمرض ، وبعنجهية وغطرسة لم يشهد لها التاريخ مثيلا في امتهان كرامة الإنسان الجنوبي ، وأي امتهان أكبر ممن لا يريد أن يعترف بحقك في العيش الكريم ، وبوطنك ، وهويتك ، وتاريخك اطلاقا ، بل يعمد إلى قتلك باسم الدين تارة بالكفار الملحدين والشوعيين ، وتارة أخرى بالمتشددين القاعدة  والدواعش ، وباسم الوطن في عامي 1994 -2015م مدعيا بأنها حربا أهلية ، وغيرها من الخزعبلات ، وهي في حقيقة الأمر حرب سافرة ، واحتلال صريح بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، ترافقه عملية تجريف للهوية ، والتاريخ ، والتغيير الديمغرافي للأرض الجنوبية .

يجب أن نقف وقفة جادة مع الذات في هذه الذكرى الخالدة التي مر من عمرها 57 عاما ، نسأل أنفسنا أين كنا  ؟ وأين صرنا ؟ ، وكيف كان حال البلدان الأخرى التي تحقق استقلالها بالفترة الزمنية لاستقلال وطننا الغالي ؟ يزيد أو ينقص بضع سنوات ، كانت تحاصرها الرمال ، وتحلم القيادة السياسية لتلك البلدان ، بأن يكون لعواصم بلدانهم شارعا يتم بناؤه بالطريقة الحضارية ، كالشارع الرئيسي لمدينة المعلا ، ولكن هل استسلمت تلك القيادات لذلك الوضع المزري الذي كانت تعيشه بلدانهم ، لا وألف لا ، بل عملوا على استقرار بلدانهم سياسيا ،  واجتهدوا في النهوض بأوطانهم ، وخلال فترة وجيزة نهضت بلدانهم اقتصاديا ، وسياسيا ، وثقافيا ، واجتماعيا ، وعلميا ، وأصبحت أكثر ، رخاء واستقرارا ، وتقدما ، أما نحن فقد عدنا الى الوراء 50 عاما ، هل كانت الأخطاء التاريخية التي ارتكبت عشية الاستقلال قاتلة ؟ بالطبع نعم ، مهدت لذلك الانحدار مما أوصلت الأمور إلى قرار الوحدة الاندماجية الذي تم اتخاذه في عام 1990م دون استفتاء شعبي ، ودون دراسة حقيقية للطرف الشريك الذي سوف تتوحد معه ، فكانت جميعها طعنات مسمومة في خاصرة الجنوب جعلته يتأخر كثيرا عن مصاف الشعوب .

لقد آن الأوان بأن ندعو القيادة السياسية الجنوبية إلى قراءة التاريخ بتمعن ، والاستفادة من الإيجابيات ، المتعلقة بالأمن ، والنظام ، والقانون ، والنزاهة في الفترة السابقة ، والابتعاد عن الأخطاء القاتلة كالشعارات الجوفاء ، وأن يكونوا أكثر واقعية مع شعبهم ، وصرامة في الحفاظ على الأرض والهوية ، لا وطن بدون هوية ، ولا هوية بدون وطن .

مقالات أخرى

الاعداء التاريخيين لن يتخلوا عن سياسة اخضاع الجنوب

علي الزامكي

قيادة في قلب المعركة.. الانتقالي أمام اختبار التنفيذ

غازي العلوي

لكم فبركة الإشاعات ولنا النصر والثبات والسيطرة على الارض

اياد غانـم

الحذر من الاختراقات وحرف الاحتجاجات عن أهدافها ومشروعيتها

صالح شائف