حسين حسن السقاف
المآلات الخطيرة للانفلات الأمني

يضل الأمن الهاجس الأكثر إلحاحاً لدى الإنسان من بداية تشكل التجمعات البشرية الأولى فضلاً عن أن الأمن هو الهدف الأول لتكون هذه التجمعات فالإنسان على الدوام يبحث عن أمنه عبر كل العصور، ويخصص من أجل ذلك نصيبا من جهده و دخله.

لقد بحث الإنسان الأول عن أمنه في العقائد والأديان لذلك قيل الأمن قبل الأيمان،قال تعالى: (الذي أطعمهم من جوع وأمنهم من خوف)صدق الله العظيم بتطور المجتمعات البشرية تتطور أيضا مهددات ومقلقات الأمن غير أنه تتطور في المقابل الأجهزة الأمنية وتتطور أساليب مكافحة الجريمة. فعند ما تصبح هذه الأجهزة عاجزة عن تأدية دورها تزداد الجريمة  وتكثر العصابات المنظمة والتي تستمد قوتها من ضعف الأجهزة الأمنية بل ربما حولت بعض العناصر الأمنية نشاطها بهدف تسويق خبراتها الأمنية لصالح الجريمة ولتتحول المجتمعات في هذه الحالة إلى ما يشبه الغابة ، يطغى فيها القوي على الضعيف ويتحول البعض في رحلة بحثهم عن الأمان لأنفسهم ولذويهم إلى مجرمين ، ذلك فقط عندما تكون هناك مفاضلة لدى الضحية بين أن يكون قاتلاً أو مقتولاً ،ظالماً أو مظلوما،  ناهباً أو منهوباً ، وكما ان عصابات الجريمة المنظمة تبحث عن طرا ئدها فهي أيضا تبحث عن ما يعزز وجودها وكثرة منتسبيها  بما يتواءم مع زيادة  نشاطها ونجد ذلك النمط من الجريمة في الضواحي الايطالية وفي بعض دول أمريكا اللاتينية ذات الثورات المتواصلة !!.

عند ما لا تقوم الأجهزة الأمنية بواجباتها تجاه المواطن  يبحث المواطن عن رابطة أو عصبه توفر له الأمان بموجب عقد بينه وبين هذه الرابطة  وربما وجد الإنسان نفسه منصاعا لتلك العصبة  أو لرغبات تلك الرابطة  ومن تلك الروابط - الأحزاب - ففي المدن الكبرى يلاحظ بأن غالبية المنتسبين لتلك الأحزاب هم من الوافدين مؤخرا إلى هذه المدن بغية أخذ حقوقهم المدنية فتجدهم كثيرا ما يتكتلون ولو بصور خفية على أسسٍ مناطقية  ذلك فقط في المجتمعات المدنية .أما في المجتمعات القبلية كما هو عليه الحال في شمال الوطن فان القبيلة توفر لأفرادها الأمان رغم الثمن الباهظ الذي يدفعه الفرد والجماعة مقابل ذلك.

كان المجتمع في جنوب اليمن قبل الوحدة مجتمعا مدنيا خلافا لما هو عليه الأمر في الشمال  فيعتمد المواطن الجنوبي في أمنه على المؤسسة الأمنية التي ترصد أي تحركات مخلة بالأمن قبل حدوث مخاطر أمنية فلدى المؤسسة أجهزة تكنيك جنائي وطنية متطورة ومؤهلة ، تُحسب هذه الأجهزة خالصة للدولة ليس لقبيلة سلطان عليها ، غير أنه تم تدمير هذه المؤسسة الأمنية تدريجيا وتم استهداف جملة من خيرة كوادرها  من قبل السلطة المركزية ومن قبل العمليات الإرهابية معاً بحيث أصبحت هذه القوة الأمنية  لا حول لها ولا قوة ، بل أنها أصبحت عبئا على أمن المواطن الجنوبي وغدت هي الأحوج لمن يوفر لها أمنها.

فأصبح المواطن في الجنوب يعيش فراغا أمنياً ليس له نظير لم يعد يحميه إلا تلك القيم المتأصلة في مجتمعه ، غير أن هذه هي الأخرى تتداعى للأسباب التي أوردتها  ولأسباب أخرى أكثر خطورة هادفة إلى أيجاد وضع أمني متردي ، فهناك جماعات وجمعيات أسهمت بأموال ضخمة للوصول بالحالة الأمنية إلى ماهي عليه اليوم وهي اليوم تصنع من خلال خطاب زعمائها التفكير بأن تكون  القاعدة وأنصار الشريعة هما الملجأ الوحيد للخروج من هذه الأزمة وصولاً لجعل حضرموت والجنوب بديلاً عربيا لحكومة طالبان. إذا ما تفاقمت الإخلالات الأمنية وإذا ما تزايد انتشار المخدرات ربما يستشعر المواطن بأنه مثل ذلك القطيع المتفرق في الفلاة يوشك أن تتخطفه ذئاب البرية ، ليجد البعض أنفسهم في نهاية المطاف أمام خيارين: 1 قاتل بصكٍ يعده بالجنة يكون وصالاً له بالحور العين منهيا بذلك حياة خالية من الأمل غير مأسوف عليها :2  أو مقتولاً مصيره جهنم وبئس المصير. بهذا التفكير يندفع البعض إلى الانخراط في صفوف الجماعات الإرهابية  كمنقذ وحيد ليكون الجنوب وحضرموت أرض الميعاد لهذا النمط السياسي الديني لا سمح الله.

رغم الصورة القاتمة التي أوردناها كتوقعات لمآلات الانفلات الأمني لا سمح الله به ، إلا أن ثقتنا بالله يجب أن تكون قوية فقد ذكر ابن خلدون في مقدمته بأن محن الأمم والشعوب ربما تتحول إلى مصدر تجميع لشملها ولم  شتاتها وتقوية شوكتها ، لذلك فأنها تبرز هنا خيارات وفرص ايجابية إذا ما تم انتهازها من قبل الأخيار من أبناء الأمة،عملا بمقولة أبو الفضل التوزري: «ازدادي يا أزمة تنفرجي ** لقد آذن ليلك بالبلج».

ولن يتأتى  ذلك إلا بمبادرة و تكاتف خيار أبناء هذا المجتمع  ، من خلال إيجاد رابطة شعبية مجتمعية تستمد فكرتها من استنهاض القيم المجتمعية الجميلة ومنابع الشريعة الإسلامية الصافية التي تعمل على تزكية الأخلاق وتهتم بالجانب المعاملاتي  بدلا عن الغلو في الجانب التعبدي والتمظهر بالدين  الأمر الذي تتفنن فيه الفرق وتسعى إلى تأصيله  وإشهارة في حين تندرس القيم ومكارم الأخلاق  لنصبح اليوم وعن طريق الإفراط في التمظهر بالدين أسوا حالاً من عهد الجاهلية ذاتها ، ولعل هذا العيب في فهم حقيقة الدين وأقصد به ترجيح الجانب التعبدي على الجانب المعاملاتي هو ذات الاخفاق الذي أصيبت به الأمم من قبلنا ولعلنا اليوم نقتفي أثرها شبرا بشبر كما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم . 

مقالات أخرى

ما بعد تصنيف الحوثي

صالح علي الدويل باراس

الرئيس في أبين!

عادل حمران

فهم اولادك يا سعادة اللواء احمد سعيد بن بريك

علي الزامكي

الاعداء التاريخيين لن يتخلوا عن سياسة اخضاع الجنوب

علي الزامكي