عياش علي محمد
حكومة بن عمر

عاد السيد ناصر عمر من أسفاره البعيدة، وبعد طول ترحال وصل سالما إلى دار المجتمع الفقير، وبطلعته البهية التي تخدشها أسماله البالية، وحذاؤه المرقع وشعره المنكوش ومن دون استئذان مكث عندنا أياما وليالي دون أن تصدر منه كلمة تقلل من شأنه، بل ظل يتباهى بأنه يمثل الرقم الصعب الذي لا يستطيع أكثر الناس الاستغناء عنه.

الرفيق ناصر عمر الذي دلعه الناس ولقبوه (بن عمر) في الطول والعرض اختصارا لاسمه الكامل ناصر عمر، وهو شخصية بعيدة عن العمل الدبلوماسي وليس هذا ميدانه، حتى أنه لا يتقمص دورا مسرحيا يؤديه على مسرح الحياة، إنه بن عمر له عمل وحيد فقط هو أن يجعل الناس يعيشون الشقاء دون فهم لمعنى هذا الشقاء وإذا دخل بيتا جعل عاليه سافله، وسافله عاليه، ومع ذلك فإنه يثير الإبداع لمن يهوى كتابه الشعر والنثر.

ومن عادة ناصر عمر أنه يضع نفسه ضيفا غير مرحب به، ولكنك تقبله من دون إبداء الاحتجاج، ويجعلك تقبض نصف راتبك لتهديه لبن عمر لأن بن عمر يقاسمك العيش والسهر والتذمر فيطير راتبك كطيران الوقت.

لا ضير عند ابن عمر فالكل عنده يجب أن يعيشوا حياة واحدة فقيرة، لأن الحياة قصيرة ولا داعي أن يلهو الانسان بنفقات بغيضة تدخلهم أبواب جهنم، ولهذا يفضل بن عمر أن يسكن زبائنه جنات عدن لخواتم أعمارهم والنعيم الموعودين به.

حدثني أحد أصدقائي انه اشترى (تيساً) مسمناً لكي يحتفى به في إحدى المناسبات فوضعه داخل الدار، فجاء ناصر عمر يدق بابه فقام صديقي يفتح الباب ليرى من الطارق.. فوجدها التيس فرصة سانحة فولى هاربا ولم يفلح أحد في القبض عليه وإعادته إلى صديقي، ولما عرف صديقي أن الطارق (بن عمر) اقتنع بأن (التيس) كان من نصيب ناصر عمر فرفض حتى البحث عنه.. لمعرفته المسبقة أن ناصر عمر قد فتح له الباب فلا عودة ترجى منه.

الرفيق ناصر عمر يعرفه القاصي والداني بأنه صنو الفقر بل هو الفقر بعينه يصيب الإنسان في مقتله، زارني يوما بن عمر وطلب مني وجبة غذائية فقلت له ليس عندي إلا خبز يابس فقال هاته فرددت عليه انتظر قليلا فلي جار قريب لي سيعطيني شيئا أغيثك به، ويساعدك على هضم الخبز اليابس, فوافق على ذلك.

ذهبت عند جاري لأطلب منه (خصارا) فقال لي أنا عندي ناصر عمر, وذهبت إلى غيره وقال لي أنا عندي ناصر عمر، ثم ختمت يحثي عند عائلة فقالت إن عندها ناصر عمر، فتعجبت من ردودهم وسألتهم تقولون لي إن عندكم ناصر عمر ولكن ضحكاتكم تثير استغرابي فلماذا تبالغون بالضحك عند ذكركم ناصر عمر، قالوا يا عزيزي ألا تعرف ناصر عمر.. فقلت لا .. قالوا إن ناصر عمر معروف للدنيا كلها أنه الفقر والفقر المدقع.. ففهمت أنني قد وقعت في براثن الفقر.

وبعد أن هممت بالرجوع إلى منزلي حتى أحدث ضيفي الزائر (ناصر عمر) وحقيقة هذا الاسم الذي تعاظم أمره، وغدا اسما على كل لسان فوجدته قد غادر منزلي وغادرت معه كسرة الخبز ، فقلت لأحد أصحابي سوف أشكو (ناصر عمر) على أفعاله هذه, ومصائبه في جلب الشقاء لنا والفقر، وتدخله في حياتنا، وزيادة معدلات الفقر عندنا بسبب نكهته التي حين يستنشقها الإنسان يقع على التو فريسة للفقر, فقال لي والضحكة تملؤ فكيه، تشكوه لمن ؟ قلت أشكوه للحكومة، فقال لي يا رفيقي إن ناصر عمر هو الحكومة بعينها فلا داعي لإثارة الشكوى فالحكومة الحالية هي حكومة ناصر عمر.

مقالات أخرى

لن يشعرون بمعاناة البسطاء

عادل حمران

تأملات في الميثاق الوطني الجنوبي بعد عام من التوقيع عليه

حافظ الشجيفي

محافظة ابين واخواتها... دعوة للتغيير والإصلاحات

صلاح السقلدي

وثقوها لتاريخ لي او ضدي

علي الزامكي