محمد عبدالله الموس
سقوط المعايير

 حين قالت سفيرة المملكة المتحدة أن الجنوب يفتقد إلى رؤية سياسية وقيادة واحدة وان احتمالات صراع (جنوبي/جنوبي) قائمة لم تجافي الواقع، فهناك تعدد في المكونات الجنوبية، بعضها يدعي الوصاية على الجنوب، وهناك تجاذبات تصل حد التذكير بذهنية الإقصاء التي عصفت بالجنوب طوال سنوات ما بعد الاستقلال، ومن حق الأصدقاء البريطانيين التخوف من عودة هذه الذهنية، مع ما يصاحبها من تهديد للاستقرار في المنطقة قد يضر بمصالح الآخرين، ومنهم بريطانيا. 

لكن أن تكون هذه المخاوف والانطباعات متجاهلة لتأثيرات متغيرات العصر، وسببا لتجاهل صوت جنوبي يحمل مشروعا سياسيا، بغض النظر عن الاختلاف أو التوافق حول هذا المشروع، فأن ذلك يمثل خصما من الرصيد الديمقراطي الضخم للمملكة المتحدة كأحد اكبر واعرق الديمقراطيات في العالم، ويجعل الآمال تتلاشى في أن تعمل دولة بحجم المملكة المتحدة على ترسيخ قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم، وبلادنا واحدة من بقاع هذا العالم.

ومن حق الدول العشر أن تعمل على صناعة مجتمع مدني، وبالتالي دولة مدنية في اليمن، ونتفهم الجهد الذي يبذله الرئيس هادي للوصول إلى هذه الغاية، لكن ذلك لا يلغي أن هناك تنوع في هذا المجتمع يمتد منذ ما قبل الدولة في بعض صوره إلى القرن الواحد والعشرين في صور أخرى وان محاولة القفز على هذا الواقع لا يخدم الهدف.

حين يتصرف جهاز الدولة الإداري بصوره تنبئ عن فشله، ضمنيا، في تحقيق تطلعات الناس، كأن ينتقل وزير الأمن ومعاونيه والوزراء والمحافظين ومن في حكمهم إلى العيش في بيوت ومكاتب مصفحة، ويتنقلون بينها في سيارات مصفحة، بطريقة (التهريب) فأن ذلك يعني فقدان الأمن، وحين يذهب وزير الصحة للفحوص والعلاج خارج البلاد فأن ذلك يعني غياب الخدمة الصحية، وحين تضاء منازل رجال جهاز الحكومة بالمولدات الخاصة، فأن ذلك يعني غياب الخدمة الكهربية، وزد على ذلك ولا  حرج، ومع ذلك تجد من يشهد بنجاحها.

تصادف وجودي في مكتب الوكيل نائف البكري حين استقبل جمعيتين تعنيان برعاية وتعليم الأطفال المتوحدين وذوي الاحتياجات الخاصة حضروا بمعية الأخ احمد لملس مدير عام خور مكسر وذلك لغرض تسلمهم رسميا إحدى المدارس، مناصفة بينهما، بعد إخلاءها من نازحين وصعقت حين سمعت من احد الحضور أن هناك جهات رسمية تعترض؟!، وان الوكيل والمدير العام فرضا ذلك كأمر واقع وتوليا أمر الصيانة والتجهيز.

ذات صباح، وفي احد المراكز الصحية الحكومية، قالت الممرضة بلهجة أهل عدن (الأخدام عندهم مناعة اكبر من المعتاد) فرد عليها شابا من فئة المهمشين قائلا: خلاص، كلنا أخدام،، لم يعلق احد، لكني لم افهم هل قصد بذلك هبوطا أو صعود، (أرجو أن لا يزايد علي احد، فانا من أنصار الاخدام الذين لا غنى لنا عنهم).

 

إن سقوط المعايير، من تجاهل الصوت الجنوبي ومعاناة الناس هناك، إلي ذلك المهمش الذي يرانا مجرد مهمشون، تحمل بعدا واحد هو عدم الإقرار بواقع أن هناك جنوبا ينتظر حلا يرضيه وان الدولة المدنية في اليمن حلما بعيد المنال وان هناك حكومة تؤمن وتخدم نفسها فقط وتترك مواطنيها لقدرهم يواجهونه بمعرفتهم، وان هناك نقاطا بيضاء في هذا السواد تواجه سوادا، وأننا لسنا جميعا (أخدام) يا عزيزي المهمش، وعدم التعامل مع بحر هذا الواقع لن يوصل السفينة إلى المرسى الأخير.

 

مقالات أخرى

لن يشعرون بمعاناة البسطاء

عادل حمران

تأملات في الميثاق الوطني الجنوبي بعد عام من التوقيع عليه

حافظ الشجيفي

محافظة ابين واخواتها... دعوة للتغيير والإصلاحات

صلاح السقلدي

وثقوها لتاريخ لي او ضدي

علي الزامكي