سامي الكاف
صحافة كاذبة للقضاء على رجل الصندوق الأسود !

أصبتُ بحيرة و أنا اقرأ مقالاً لصحفي اسمه حسونة المصباحي في جريدة "العرب" اللندنية تحت عنوان: "فلاديمير بوتين حصان أسود في الكرملين".

في الواقع كان العنوان مثيرا ومحفزا للقراءة في آن، خصوصا و العنوان الفرعي كان: ((حياة بوتين تبدو شبيهة بــ'صندوق أسود'، وكان تلميذا سيء السلوك، عنيفا مع زملائه ، يتقن لغة الشارع وما يزال يستخدمها في الاجتماعات السياسية الكبرى)).

لكن ما أن بدأت بقراءة المقال إلا و أحسستُ أن الكاتب بدا و كأنه وجد فرصته أخيراً للقضاء على ضحيته و هو هنا : فلاديمير بوتين رئيس روسيا الاتحادية.

حاولتُ تحاشي هذا الاحساس و مضيت في القراءة ؛ لكن الاحساس تعاظم على نحو مستفز لدرجة انني لم أصدق ما اقرأ.

ثمة سرد رهيب في كتابة معلومات لكنها أتت تناقض بعضها بعضا على نحو غريب؛ بل و فاضح كما سأكشفها تالياً؛ غير أن الموضوع في نهاية المطاف جعلني اتساءل: هل الى هذا الحد يمكن للصحافة العالمية أن تقوم بخداع نفسها قبل أن تكون كذلك مع القراء؟

أنظروا: الفقرة الأولى تؤكد أنه حتى عام 1999م كان بوتين نكرة قصير القامة مثيرا للشفقة !

((الحقيقة أن بوتين كان حتى عام 1999 نكرة ليس فقط بالنسبة إلى حكومات العالم، وإنما بالنسبة إلى الروس. وفي البداية بدا هذا الرجل بقامته القصيرة، ووجهه الشاحب، وعينيه الرماديتين الباردتين، المتعبتين دائما، كائنا “مثيرا للشفقة” بحسب تعبير صحفيّ غربيّ. غير أنه تمكن في ظرف أشهر قليلة من أن يتحوّل إلى ظاهرة حقيقية، “ظاهرة بوتين”.

ومن أعلى المنابر الإعلامية، شرع يتكلم بثقة كبيرة من نفسه، مدافعا عن أيديولوجية جديدة سماها: “االقوميّة”. واعتمادا عليها شنّ حربا أخرى على الشيشان واعدا الروس الذين يحنّون إلى مجد إمبراطوريتهم القديمة بأنه سيعيد إلى روسيا هيبتها المفقودة. وكان ذلك كافيا لكي يكتسب شعبية لم يكتسبها أي وزير من الوزراء الذين اختارهم يلتسين قبل ذلك. وقد أتاحت له تلك الشعبية تحقيق نجاح كاسح في الانتخابات التي جرت في روسيا في أواسط شهر ديسمبر- كانون الأول 1999. وبعدها دخل الكرملين، قصر الأباطرة الروس، من أبوابه الواسعة.

وقبل أن يعيّن وزيرا أول، كانت حياة بوتين تبدو شبيهة بـ”صندوق أسود” بحسب تعبير أحد الصحافيين الروس. وما كان معروفا عنه أنه ولد عام 1952 في مدينة سانت بطرسبورغ التي كانت تسمى لينينغراد. وهو ينتمي إلى عائلة متوسطة الحال موالية للنظام الشيوعي. وكان تلميذا سيء السلوك، عنيفا مع زملائه. وكثيرا ما شوهد وهو يعضّ خصومه، ويمزق ملابسهم. ومراهقا)).

أما الفقرة الثانية فإنها تؤكد أن بوتين كان قبل عام 1999م رجل الاستخبارات الأول ويزداد نفوذاً !

((وفي شهر يوليو- تموز 1998، عيّن فلاديمير بوتين على رأس جهاز الاستخبارات الذي عوّض الـ”كي.جي.بي” المكلف أساسا بمراقبة الأحزاب، والتجسّس على قادتها، وعلى أعداء “السيد الرئيس”، وأيضا على النقابات، والمنظمات العمالية، وبذلك "ازداد نفوذ بوتين داخل الكرملين"، و بان للكثيرين داخل روسيا وخارجها بأنه سيكون رجل روسيا مستقبلا)).

السؤال هو: كيف يُعقل أن يكون رجل واحد في الفقرة الأولى حتى عام 1999م نكرة قصير القامة مثيرا للشفقة !، و من ثم تأتي فقرة تالية لتؤكد أن نفس الرجل كان قوياً بل و يزداد نفوذاً لدرجة أنه بان للكثيرين داخل روسيا وخارجها بأنه سيكون رجل روسيا مستقبلا؟

كيف يتم اجازة مثل هذا المقال؟

من هو المسئول عن ذلك؟ و لماذا ؟

أيمكن الاعتقاد بأن هذا إنما يأتي في سياق الحرب النفسية الإعلامية العالمية المفترضة ضد رجل لا يمكن السيطرة عليه او إخضاعه لذلك؟

ثمة أسئلة كثيرة تتناسل لوحدها بحثاً عن اجابة مقنعة لكن من خلال الفقرتين المختارتين من سياق المقال الطويل من الواضح أن الكاتب/ الصحيفة يظنان انهما نجحا في مهمتهما - و لو بالكذب و الخداع- في تشويه سمعة رجل يحكم إحدى أقوى دول العالم الآن؛ وبالتالي القضاء عليه و لو وهماً؛ في حين هو على أرض، أي رجل الصندوق الأسود فلاديمير بوتين، يسجل موقفاً دولياً غير مسبوق لم يشهده العالم بأسره منذ زمن طويل بغض النظر عن كونه صائباً أو مخطئاً في ذلك!

 

 

مقالات أخرى

لن يشعرون بمعاناة البسطاء

عادل حمران

تأملات في الميثاق الوطني الجنوبي بعد عام من التوقيع عليه

حافظ الشجيفي

محافظة ابين واخواتها... دعوة للتغيير والإصلاحات

صلاح السقلدي

وثقوها لتاريخ لي او ضدي

علي الزامكي