عبدالكريم سالم السعدي
اليمن .. من (الوحدة أو الموت) إلى (الأقاليم الـ 6)!!

يستطيع المتابع العادي للشأن اليمني أن يلمس وبوضوح قوة الرغبة العارمة لدى متنفذي (عصابات صنعاء) في الاحتفاظ بالجنوب تحت سيطرة الشمال، وبالتالي تحت سطوتهم!.. كما يستطيع ذلك المتابع أن يتبين الأسباب الحقيقية خلف هذه الرغبة، وهذا الإصرار بعيداً عن عبارات (لم الشمل اليمني) و(الوحدة العربية).. وغيرها من العبارات والشعارات التي يحاولون ـ من خلال توظيفها ـ دغدغة مشاعر المستغفلين في الداخل، واستدرار تعاطف الخارج!!

(الوحدة) كلمة باتت تشكل المفتاح السحري لنافذي نظام (الجمهورية العربية اليمنية) وسماسرة وتجار الحروب فيها، استطاعوا أن يوظفوها على أكمل وجه، ويجتازوا على متنها كل الموانع المحلية والإقليمية والدولية ويبلغوا ضفة مطامعهم، ويخرجون (ألسنتهم) للكل في حركة استهزاء وتقليل بقدرات الجميع, ساعدهم في بلوغ ذلك عوامل عدة تبدأ بصراع المصالح الإقليمية والدولية ولا تنتهي بـ (غباء) الخصم السياسي الجنوبي، صاحب الحق والمفرط فيه في الوقت ذاته!!

لم تعد آفة النسيان حكراً على العرب وحدهم، فقد انتقلت العدوى لتصيب أيضاً العالم المتحضر ومؤسساته الإنسانية والحقوقية والسياسية, فقد تناسى الجميع أن أبناء الجنوب هم من حقق تلك الوحدة, وهم من تنازل عن الكثير من الامتيازات والإنجازات لتحقيقها .. فالجنوب الذي يحتكم على مساحة جغرافية تقارب  الـ (360) ألف كم2, وشريط ساحلي يقارب الـ (2000) كم, وثروات طبيعية هائلة, وتعداد سكاني لا يزيد عن 15% من تعداد سكان الجمهورية العربية اليمنية .. هذا الجنوب بات اليوم في نظر ضحايا النسيان، وغياب الحكمة، هو (الانفصالي)! وهو الداعي إلى الفرقة والتشرذم!! وباتت (صنعاء) بلد العصابات القبلية وقطاع الطرق والمؤسسات الغائبة، والعقلية السجينة في غياهب عصور ما قبل الحداثة .. (صنعاء) التي قال عنها المؤرخ (إسحاق بن يحي الطبري الصنعاني) المتوفى سنة450 هجرية، ما قاله في وصف صراعات أهلها في كتابه (تاريخ صنعاء), ذلك الوصف الذي يظهر طبيعة العلاقة السائدة بين قبائل (صنعاء) والسلوك والثقافة التي تأصلت لدى أفراد هذا المجتمع، والتي تتسم بالعنف الذي يتخذ من (الحرابة) و(سبي النساء) وهدم الدور ونهب الممتلكات وأكل لحوم البشر، والفتك بكل مظاهر الحياة وسائل لتقوية النفوذ والتملك والاستحواذ .. هي حاملة رأية (الوحدة).. وهي الداعية من (جب) التخلف الإنساني لمشروع (التوحد) الذي تضرب أطنابه في عمق الرقي الإنساني!!

من عجائب الأقدار، وضعف الذاكرة العربية والدولية؛ أن يصير دعاة هذه الثقافة العدوانية التي توارثتها أجيالهم، والتي لا نزال نراها في صراعاتهم إلى اليوم تطل برأسها كلما استجدت أزمة كان هؤلاء طرفاً فيها.. أن يصيروا حملة لرأية التطور والرقي!.. ويصير أبناء الجنوب هم (الانفصاليون) والدعاة إلى ظلمات التشرذم!!

فمن منا لا يتذكر (غزوة عدن) في العام 94، وبالتحديد في يوليو من ذلك العام، عندما استباحت قبائل صنعاء ومليشياتها حرمة عدن وأهلها، فهدمت الدور وقتلت الأطفال والرجال والنساء والشيوخ وسلبت الأملاك والأموال، وأبادت كل مظاهر الحياة وحولت عدن من حاضرة إلى قرية؟! ومن منا لا يتذكر صراع هؤلاء فيما بينهم؛ في صعدة ومأرب وعمران والجوف والمناطق الوسطى (تعز وإب) وغيرها؟!.. تلك الأحداث التي تؤكد وحشية هؤلاء القوم، مثلما تؤكد حجم الخلل الذي أصاب الذاكرة العربية والإقليمية والدولية!!

لقد جاءت مخرجات حوار صنعاء الوطني لتؤكد حقيقة أن الجنوب كان ضحية لقيادة جنوبية (متصابية)، تنقصها الكثير من المقومات التي تؤهلها لقيادة شعب, تسببت (صبيانية) تلك القيادات في الزج بهذا الشعب في أحضان (غول) لا يرحم ولا يرى في الأفق إلا مصالحه!! كما جاءت أيضاً تلك المخرجات لتؤكد حقيقة أخرى هي أن الجنوب لم يتوحد في يوم من الأيام مع دولة ـ بمعنى الدولة ـ ولكن العملية ـ برمتها ـ كانت عبارة عن حالة (تقطع) سياسية واقتصادية تعرض لها الجنوب، وانتهت بالظفر به واستلابه .. وما شعارات (الوحدة) والتغني بأمجادها التي تلت حالة التقطع تلك إلا حالة من حالات حلقات (الزار) التي أقامتها (عصابات صنعاء) لتخلق حالة من الضوضاء استطاعت بها أن تشوش على العقل العربي والإقليمي والدولي، وتسوق لنفسها كراعية لحلم من أحلام الأمة.

وآخر ما أكدته تلك المخرجات؛ كذب وادعاء (عصابات صنعاء) برفع شعارات الوحدة والتغني بها، فقد جاءت نتائج أو مخرجات الحوار بخيار تمزيق اليمن إلى ستة أقاليم في لحظة تناست فيها (عصابات صنعاء) شعار (الوحدة أو الموت)، وهو الشعار الذي استمرت في ترديده ورفعه حتى خلال أيام الحوار الوطني (الصنعاني)، ولا تزال بعض فرق تلك العصابات ترفعه حتى اللحظة في حركة يعجز المتابع معها في إيجاد مبرر للسقوط المدوي لتلك العصابات من قمة (الوحدة أو الموت) إلى حضيض (الأقاليم الستة)!!

إنها الاستماتة في الاحتفاظ بالجنوب من قبل تلك العصابات، ليس حباً في الجنوب ولا في أبنائه، ولا حباً في تحقيق الأحلام العربية، ولكن لحاجة في نفس (عتاولة) تلك العصابات، وفي مشاريعها العائلية والقبلية المتخلفة التي تقيمها بهدف خلق الاستمرارية لها على حساب شعب الجنوب وتطلعاته في العيش بحرية وكرامة، وحلمه في استعادة سيادته على أرضه وتنقية إرثه الثقافي والتاريخي والاجتماعي مما أصابه من أدران علقت به أثناء وجوده أسيراً في سلاسل تلك العصابات التي لا تزال تتبع وسائل قطع الطرقات، واللصوصية في إدارة خلافاتها مع الآخرين!!

 

مقالات أخرى

لن يشعرون بمعاناة البسطاء

عادل حمران

تأملات في الميثاق الوطني الجنوبي بعد عام من التوقيع عليه

حافظ الشجيفي

محافظة ابين واخواتها... دعوة للتغيير والإصلاحات

صلاح السقلدي

وثقوها لتاريخ لي او ضدي

علي الزامكي