"هذا يذكرني بالرجل الذي قتل والديه، وعندما اقترب موعد المحاكمة، راح يطالب بالرأفة لأنه يتيم".ً. هكذا قال أبراهام لينكولين .. وكأنه يصف لنا حال كل المتباكين على الوحدة اليمنية، بعد أن خرج شعب الجنوب من أجل انتزاع حقه ومعاقبة المجرمين: كل من صالح وبلاطجته، علي محسن وعصابته، حميد وحاشيته، الزنداني وزبانيته وإلى آخر من هذه الوجوه القبيحة التي يتشكل منها النظام اليمني، الذين يثيرون السخرية كلّما رأيناهم يتحدثون عن الوحدة وهم أصلا من قتلها، وأجهض الشراكة بين الشعبين، وهم أنفسهم من قتل وعبث ونِهب في الجنوب.
لا غرابة عندما يتناقض هذا النظام الفاشي مع نفسه، تلك الوجوه القبيحة أساساً مبنية على التناقضات، فإذا نظرنا إلى واقعهم حتى في تركيبتهم الداخلية سنرى أنهم هم النظام، وفي الوقت نفسه هم الثورة ضد أنفسهم، وأيضاً هم المخربون الذين دمروا اليمن باعترافهم بذلك، وفي الوقت نفسه هم من ينظرون الى أنفسهم أنهم المصلحون وبناة اليمن الجديد والدولة المدنية، وهم الشيوخ المخرفون رموز الماضي بدمويته وفساده وبكل وقاحة يقولون إنهم هم شباب الثورة السلمية وحماة المستقبل.. وإلى ما له نهاية من تناقضات هذه الكائنات الغريبة!!
ولكن الغريب العجيب هو أن تأتي ما تسمى بالدول الراعية للعملية السياسية في اليمن، وتتحالف مع القتلة ضد الضحية، بل وتضاهيهم بالتناقضات فتتناقض مع مبادئها ومواقفها وبغباء تردد عبارة "ندعم وحدة اليمن واستقراره"، دون وعي أو أدنى مراعاة للواقع أو البحث عن حلول حقيقية للقضايا والمشاكل الموجودة من أجل ترسيخ الاستقرار والتي تشكل الوحدة أساس المشكلة في هذا الجزء من العالم.. (الوحدة والاستقرار) نقيضان، ولا يمكن التوفيق بينهما في الواقع اليمني، وبالذات بعد أن أوصلوا البلاد بعنجهيتهم إلى هذه المرحلة الحرجة، فأنت مجبر اليوم بين خيارين لا ثالث لهما: إما أن تكون مع الوحدة فتدعم اللصوص والمجرمين لتستمر الفوضى القائمة، وإما أن تكون مع الاستقرار وتبحث عن الحلول العادلة للقضايا من أجل ترسيخ الاستقرار!!
بما أن منطقهم ربط بين الاستقرار والوحدة دعونا نسير وفق هذا المنطق الأعرج غير الواقعي، ونقارن بالنظر إلى واقع إحدى هذه الدول الراعية لما تسمى بالعملية السياسية في اليمن، وهي بالأساس ليست مقارنة بين الواقعين، بل مقارنة بين موقف الدولة نفسها من القضيتين وتناقضهما.
الحكومة البريطانية مثلاً تدعم فرض الوحدة بالقوة في اليمن، وتدعو إلى عقوبات بحق من يرفضها، وفي الوقت نفسه تمنح الشعب الاسكتلندي حق تقرير المصير بالاستقلال عنها!! أيُعقل أنها حريصة إلى هذه الدرجة على وحدة اليمن وغير مبالية بوحدة الأراضي البريطانية؟!
هذه الدولة بعظمتها وجلالتها لو تعرف أن الوحدة بالقوة هي مصدر استقرار، لقاتلت الاسكتلنديين من أجل تثبيت الاستقرار، لكنها تدرك بل تعلم علم اليقين أن وحدة الجغرافيا لا تعني الاستقرار وأن فرضها بالقوة يعني زعزعة الاستقرار ونشر الفوضى، لهذا سمحت لهم أن يقرروا ما يريدون بإرادتهم، وفضلت أن تحافظ على وحدة الشعبين التي هي أهم من وحدة الجغرافيا بكثير.
سواءً رُفضت الوحدة من قبل الاسكتلنديين أو بقيت، هذا الأمر لا يهم لأن الشعب هو من سيقرر ما يريده بكل حرية، ربما يتم التصويت على بقائها.. من يدري؟! قد يشفع للدولة البريطانية حسن تعاملها مع الاسكتلنديين، لأننا لم نسمع إن زعماء بريطانيا ذهبوا إلى هذه المنطقة لفرض الوحدة بالقوة أو لنهب ثرواتها وقتل أبنائها، وأيضاً لم تحاول ولو مجرد المحاولة تزوير إرادة الاسكتلنديين أو إخراج مسرحيات هزلية لإيهام العالم بأنهم وحدويون، كما يحدث في اليمن من تزوير ومغالطه لإرادة شعب الجنوب وبمساعدة بريطانيا نفسها والمجتمع الدولي (رغم أن للجنوب قضية عادلة وكان دولة مستقلة، لم يكن جزءاً أو أقليماً من الدولة نفسها)، وأيضا لم تطلب بريطانيا مساعدة المجتمع الدولي لمنع استقلال اسكتلندا، بل تركت الأمر لشعبها يقرر ما يشاء دون أدنى تدخل منها أو من أي دولة أخرى، وكذلك دون إقحام مجلس الأمن لقمع إرادة الشعب الاسكتلندي والتلويح بعقوبات ضد كل من يطالب بالاستقلال بلاده، هكذا بريطانيا تتعامل بمسؤولية وبأسلوب حضاري وراقٍ عندما يتعلق الأمر بشأنها الداخلي، ولكنها تفقد هذه المحاسن عندما تنظر بالقضايا الأخرى مهما كانت عدالتها ووضوحها فتظهر على النقيض.
"العالم يسحق العدل بحقارة كل يوم"!.. هذا هو العالم كما يرى غسان كنفاني، وأيضاً هو كذلك بالنسبة لشعب الجنوب يستمر مسؤولو هذه الدول والمجتمع الدولي كالببغاوات بترديد عبارتهم الجوفاء، التي تدل على أنهم يلهثون وراء مصالحهم ولا يهمهم أمر الشعب المضطهد في الجنوب الذي استباح القتلة فيه الإنسان والأرض والثروة، وغير جادين في البحث عن حلول للمشكلة أو التقرب من الواقع وإيقاف نزيف الدم المسفوك كل يوم.
ختاماً.. يقول (دينس ويتلي): "أمامك اختياران في الحياة: أن تقبل الظروف كما هي أو أن تقبل مسؤولية تغيير هذه الظروف".. وعلى ما يبدو أن الشعب في الجنوب قد حسم أمره واختار مسؤولية تغيير هذه الظروف السيئة رغم صعوبتها، ولن يرهبه زُقاء طوابير الببغاوات التي تردد هذه العبارة، مهما حاولوا إرهابه بالحروب، أو التلويح بالعقوبات، كِذا كِذا لا شيء يخسره، وسيواصل مشواره حتى تحقيق الهدف الذي رسمه لنفسه وليس ما رسموه له هم بوثيقتهم المستوردة، فليعتبرها النظام ومن معه قرآناً مقدساً هذا شأنه أما الشعب في الجنوب فهو يعرف ماذا يريد، ولن يضع لها أي اعتبار وسيمضي قدماً نحو تحقيق العدالة.
مقالات أخرى