كان عبد العزيز بن حبتور يمارس بجاحته المعتادة عن فخامة الرئيس وعن الخوارق الفلكية لمؤتمر الحوار الوطني، وكان كعادته عندما ظل يستعرض معجزات علي عبد الله صالح طوال العشرين سنة الماضية، يبشر الناس في عدن بالفردوس بعد عودته من مؤتمر موفمبيك، عندما انبرت فتاة في العشرينات من عمرها رافعة يديها لطلب نقطة نظام.
كان الرجل وبجانبه جلالة محافظ عدن الذي صار حراسه ينفذون قرارات مؤتمر الحوار بضرب الناس والتحرش بهم والاعتداء عليهم في كل مكان، يتحدثان عن الديمقراطية والتوافق الوطني واحترام حرية التعبير وحق الرأي والرأي الآخر، لكن كل هذا الهراء عن الديمقراطية واحترام الرأي الآخر وكل هذه الثرثرة عن حرية التعبير لم تحتمل صورة فتاة تطلب نقطة نظام وتضع على رأسها علم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، العلم الذي طالما رددنا أمامه التحية والقسم الوطني ونحن نتعلم في الابتدائيات والاعداديات والثانويات عندما كان التعليم تعليما ولم يكن يدير أمثال حبتور وغيره من مداحي الزعماء وحملة مباخرهم.
اهتزت أركان دولة وحيد رشيد وبن حبتور واستدعيا بلاطجتهما ليستعرضوا رجولتهم على فتاة وحيدة في العشرينات من العمر لكنها اختزنت من الشجاعة ما لم يتوفر لدى العشرات من أشباه الرجال الذين كانوا يصفقون للبلاطجة من النساء والرجال وهم يمارسون توحشهم وبهيميتهم في حق هذه الفتاة العزلاء إلا من إرادتها ومشروعية فكرتها.
لست أدري من هو الأكثر رجولة من الطرفين: أهي أنسام عبد الصمد التي واجهت وحدها فيلقا من البلاطجة من النساء والرجال أم أولئك المشنبون الذين يرتعدون أمام اللصوص والمجرمين ولا تبدو عنترياتهم إلا أمام النسوة، لكن المؤكد أن أنسام قد هزمتهم جميعا...هزمتهم بجرأتها واحترامها لقناعتها وعدالة قضيتها التي هي قضية ملايين الجنوبيين الرافضين للمسرحيات الهزلية القادمة من صنعاء، هزمتهم بتصديها لمدائح النفاق وغزليات التملق وجاءت لتقول للدجالين: إذا كنتم تعتقدون أن الساحة قد خلت من الرجال (وهي بالتأكيد ليست خالية منهم) فإن منا نحن النساء من تستطيع أن تقوم بما لا يقدر عليه المئات من المحتشدين بانتظار إشارة طلب التصفيق ليلهبوا كفوفهم كما كانوا يعملون منذ سنين عندما كانوا يقدمون الجوائز لزعيمهم المجرم، وهاهم يواصلون الدور نفسه مع الزعيم الجديد.
لم يخجل المتحدثون عن الوفاق الوطني واللحمة الوطنية عندما يكررون هذه القصيدة المملة بينما يقتل الرجال والنساء والأطفال والعجزة في الضالع وساحل ووادي حضرموت وشبوة على أيدي قوات أسيادهم وهم يقدمون لنا هذه الجرائم على إنها منجزات وطنية تماما مثلما صوروا لنا قتل نشطاء الحراك السلمي وحرق مصنع الذخيرة في أبين وشن حروب صعدة على إنها من منجزات الزعيم الوحدوي وإنها خوارق لا يقدر عليها إلا "الوطنيون" النادرون من أمثاله.
الذين (واللواتي) اعتدوا على الفتاة أنسام ذكروني بسؤال طالما طرحته على نفسي: ترى لو كانت التي تتوجت بعلم اليمن الجنوبي ليست أنسام، بل زوجة رئيس الحراك الشمالي (المدعو عبد الوهاب طواف) واتشحت بعلم الجمهورية العربية اليمنية، هل كانوا سيعملون معها ما عملوه مع أنسام؟ إذا كانوا سيقولون نعم فإنهم كاذبون لأنها لا ينطبق عليهم إلا قول الشاعر: أسدٌ علي وفي الحروب نعامةٌ . . . . .إلخ.
لم يتعلم هؤلاء الفرحون بسقوطهم ممن سبقهم في السقوط من أولئك الذين ربطوا مصائرهم بمصائر الطغاة فعندما ذهب الطغاة لم يجدوا من يحميهم من غضب الشعوب، لكن يبدو أن التاريخ يكرر نفسه على شكل مهزلة سخيفة وبجحة يظل أبطالها من أولائك الذين أدمنوا النفاق وصاروا غير قادرين على الحياة بدونه وإن لم يجدوا من ينافقونه يخترعون زعيما لمنافقته وصدقت عليهم الآية الكريمة " المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون" (التوبة 67).أنسام عبد الصمد ليست فردا وليست حالة وحيدة وحدها، إنها شعب حي له قضية حية وعادلة وما تعرضت له أنسام هو جزء يسير من ممارسة سياسية عمرها عقدان وأكثر من الزمن تستهدف قمع إرادة الشعب الجنوبي وكسر شوكته ومسخ هويته وتزييف وعي أبنائه للتمكن من مواصلة نهب ثروته ومصادرة أرضه والاستحواذ على أملاكه من قبل اللصوص القادمين من هناك، أما هؤلاء الآتون من بيننا فليسوا سوى موظفين صغار عند كبار اللصوص، فهنيئا لهم هذا الدور المخزي وهنيئا لأنسام انتصارها عليهم وتعرية عوراتهم وكشف زيف ادعاءاتهم.
*ناشطة حقوقية يمنية.
مقالات أخرى