اسماء الحمزة
محاولة ملامسة حقائق تاريخ الحوار في ذكراه الـ 39 .. اتفاقية 5 فبراير في عدن محطة من محطات لغة الحوار

لا يضيع حق وراءه مطالب.. من هذا المنطلق إحقاق الحق ذكرى لمن  نسي أو تناسى وإنعاش للذاكرة المثقوبة للمعاصرين وتحفيز للأجيال القادمة إلى مستقبل أفضل والخروج من دائرة خلط الأوراق وتزييف الحقائق لغرض في النفس الأمارة بالسوء.

 

جرت العادة السيئة والمدمرة والمسيئة لصناع التاريخ والعبث بعقلية الأجيال في كتابة التاريخ بحسب سياسة المنتصر على القيم والأخلاق من معارك الإخوة المتمثلة في رأس النظام وحملة الطبول من أبواق الفساد من المنابر الإعلامية والثقافية والأدبية وهذا ما جرى لطمس معالم الجهود لصناع تاريخ اليمن المجيد وتدمير المنجزات وتشويه المحطات المضيئة واللوحات الجميلة شمالا وجنوبا وعلى الأخص إفراغ الدولة من النظام والقانون بعد اتفاقية الوحدة الحلم الجميل على مر الأزمنة والعصور وسيظل رغم تحويله من قبل العابثين بمصائر البشر لمصالحهم الذاتية على حساب القيم كابوسا، ولا غرابة ولا عجب بل من الطبيعي أن يعبث ببصمات صناع المنجزات التاريخية والمحطات المضيئة من قبل من لا يملكون ولا يستطيعون وضع بصمات ملموسة مسؤولية أمام التاريخ والناس وقبلها رب العباد ولكن الغريب والعجيب والأغرب من العجب أن تكون معاول الهدم وتكريس التجهيل والتهمييش والإجهاز على كل جميل ومفيد ومصالح العباد بسلاح من كان لهم أو لآبائهم نصيب لصناعة التاريخ من أجل الحياة الكريمة بسلاح من داخل دائرة الفعل.

 

ومن المحطات الحوارية الرائعة في التجربة المسيئة جنوبا اتفاقية 5 فبراير 1975م، التي تدخل عامها الـ39 والتي أريد بها وكثير من المحطات الاندثار والضياع في براثن النسيان، الاتفاقية التي أتت حينها لضرورة تاريخية وحاجة ملحة لحلحلة جهود الإقصاء لشركاء النضال كما هو حال الحوار الوطني الشامل لفتح الانسداد مع الفوارق في المساحة الجغرافية للحدث بعد الصراعات التي عصفت بتنظيم الجبهة القومية وما رافقها بعض الأحيان من عنف وتصفيات وإبعاد التي فرضت نفسها على واقع اليوم وألقت بظلالها على جذور القضية الجنوبية في مؤتمر الحوار الشامل لبعض المكونات السياسية التي أرجأت الأساس إلى عام الاستقلال 1967م، حتى وصل بالبعض الجحود والتنكر والاتهام للثوار وصناع نوفمبر الاستقلال والتحرر من المستعمر وأعوانه.

 

كل ذلك وما خفي كان أعظم كان لابد ولا مهرب من الالتقاء على طاولة الحوار والتفاوض وحتى التنازلات الموجعة من أجل إرساء جبهة وطنية عريضة سد منيع وحصانة من الفعل المضاد والسير بخطى حثيثة وثابتة بجهود موحدة لتحقيق أهداف الثورة التي هي من صنع الجميع وإن تفاوتت الأدوار والإسراع في مرحلة البناء للمهام الصعبة بناء الإنسان سياسيا وثقافيا وتجذير وطني وتعزيز الاقتصاد الوطني لتحسين معيشة الناس الهم الأساسي في ذلك الحين وبناء المؤسسات المبنية على النظام والقانون, التي عمد رأس النظام على جعلها صناعة صالحية للفيد والدوس على رقاب العباد فأصابها في مقتل وما يميز هذه المحطة الحوارية المضيئة في تاريخنا لم تكن بقرار حكومي أو قصري تعسفي وإنما وفق القناعة المشتركة المنطلقة من الإيمان بضرورة إشراك كافة القوى السياسية في مرحلة التنمية تواصلا لما قدمه الجميع في مرحلة التحرر الوطني ولم يقتصر الحوار على القيادات السياسية وحدها ولكنه سحب نفسه على قواعد التنظيمات الثلاث حيث جرت الحوارات واللقاءات المستمرة والمثمرة بين المنظمات والجماهير مثل اتحاد الشباب واتحاد الطلاب واتحاد النقابات والمنظمات النسوية ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تعدى ذلك إلى الجماهير القاعدة العريضة بخطوات عملية من مواقع العمل والإنتاج ومزارع الدولة بالمبادرات الإنتاجية والمسابقات الفكرية والمشاركة في حملة محو الأمية بشكل طوعي المفقود اليوم في حياتنا, اليوم كل شيء بالدفع المسبق وقد حفل العام نفسه عام الاتفاقية بأعمال مكثفة ومتواصلة من أجل وضعه موضع التنفيذ العملي فكان المؤتمر السادس لتنظيم الجبهة القومية في 5 مارس 1975م، والمؤتمر الثاني للاتحاد الشعبي الديمقراطي يوليو 1975م, والمؤتمر الثالث لحزب الطليعة الشعبية (البعث) أغسطس 1975م وتوج بالمؤتمر التوحيدي أكتوبر 1975م للفصائل الثلاث والاتفاقية الخارجة من رحم المعاناة وخطورة الانفراد بالمسيرة السياسية والتي أثمرت ميلاد التنظيم السياسي الموحد (الجبهة القومية) لم تكن وليدة اللحظة ولكنها امتداد لنضال مشترك ودعم غير محدود قدمته التنظيمات على المستوى السياسي والنقابي ودعم غير محدود للكفاح المسلح إضافة إلى أنها نتاج تجربة العلاقات المتشابكة التي ربطت القيادات بعضها ببعض من علاقات حميمة وزمالة وود على الرغم من الخلافات والخصومات السياسة والهم المشترك لفصائل العمل الوطني صانعة الحدث الجبهة القومية من جانب السلطة والتي مثلها الرئيس المغدور به من رفاق الدرب السياسي والعسكري صاحب التفاف شعبي بامتياز سالم ربيع علي رحمة الله عليه ومن خارج السلطة الفصلان الآخران اللذان آثارا البقاء داخل الوطن على الرغم من الصعوبات والمحن وهما الاتحاد الشعبي الديمقراطي ممثلا في الوطني الحق والصحفي المبدع الفقيد في ظروف غامضة من تداعيات التفرد أو حب التسلط الأستاذ عبدالله عبدالرزاق باذيب وحزب الطليعة الشعبية بقيادة ممثلها أطال الله في عمره الأستاذ القدير أنيس حسن يحيى.

 

والأساس في الأمر أن الحوار في فبراير 1975م النابع من وحدة الهدف ضمانة لتنفيذ المهام الملقاة على عاتق القوى السياسية في مرحلة ما بعد التحرر الوطني مرحلة البناء ووضع الخطوات العملية اللاحقة للحلم والاتفاق الأكبر لتحقيق الوحدة على كامل الأراضي اليمنية الذي أنتج التنظيم السياسي الموحد (الجبهة القومية) كخطوة على طريق بناء حزب طليعي يمثل طموح الجماهير ومن أجل تماسك الجبهة الداخلية وصلابتها الضمان الأساس للحفاظ على المنجزات وسيادة البلاد.

 

وتؤكد هذه الخطوات المتعددة ومشهد 5 فبراير إحدى قلاعها أن الحوار الوطني الشامل في بلادنا الذي يأتي ختامه متزامنا وعلى مقربة من هذه المحطة المضيئة لم يكن الأول ولن يكون الآخر لأهمية لغة الحوار إلا أن هذا الحدث هو الأروع والأجمل لشمولية واتساع نطاقه الجغرافي على امتداد الساحة اليمنية بمختلف قواها السياسية وشرائحها وتألقه بفعل وتأثير الشباب والمرأة الذين كان لوجودهم المبنى على تميزهم حضور ونوع في ساحات الفعل الثوري في ثورة التغيير التي لابد من الإصرار على استمراريتها حتى النصر الناجز والأكبر والآتية رياحها الطيبة ونسائمها بعد أيام من يومنا هذا تسبقها تحضيرات الأمل أن تكون على مستوى التضحيات والإنجاز لمخرجات الحوار واستكمال المرحلة الانتقالية بسلام حتى يتفرغ الناس للبناء في ورش العمل وكبح معاول الهدم وهذا يتطلب الجهد الجماعي بوجه الوطن والإعراض عن الوجهات والشخصنة وحب الأنا والذات.

 

 

 

مقالات أخرى

الاعداء التاريخيين لن يتخلوا عن سياسة اخضاع الجنوب

علي الزامكي

قيادة في قلب المعركة.. الانتقالي أمام اختبار التنفيذ

غازي العلوي

لكم فبركة الإشاعات ولنا النصر والثبات والسيطرة على الارض

اياد غانـم

الحذر من الاختراقات وحرف الاحتجاجات عن أهدافها ومشروعيتها

صالح شائف