ستظل مأساة الحرب تتصدر المشهد للأوضاع في محافظة أبين لفترات طويلة، نظراً لحجم الدمار الذي طال الارض والإنسان وشل كل جوانب الحياة والقدرات الاقتصادية، وكل منابع ومصادر العيش للإنسان فيها، وما ترتب عن نزوح ابنائها وتشردهم خلال فترة الحرب، وما بعدها وما عانوه الى يومنا هذا من مشكلات متعلقة بالحرب وأخرى مضافة من تداعيات النزوح، هناك من باع ممتلكاته لدفع الإيجارات ومن عجز عن الحاق اطفاله لمواصلتهم التعليم ومن تعرض للمرض الجميع عاش أوضاع معيشية صعبة انتجها لهم وضع الحرب ووضع النزوح وتضاعفت مأساتهم.
وبالنظر بتجرد الى حقيقة هذه المأساة او القضية القائمة سيتبين ان ابناء ابين دفعوا حياتهم واستقرار اجيالهم القادمة ، وقدموا تضحياتهم ثمناً لينعم الجميع بالأمن والاستقرار . باعتبار ان من تسبب في خروجهم من ديارهم هو الصراع المسلح الذي دار في محافظتهم بين الجيش وتنظيم القاعدة ( الارهاب ) الذي ينظر له كعدو مشترك يستهدف العالم بأسرة ،ويعتبر الجميع بان محاربته مشتركة بين الدول ..إلا ان الاشتراك في انهاء معاناة وتداعيات محاربته، قد يكون في مستوى اقل من المأمول والمنتظر .. لذا فان حجم الدمار والخراب الذي لحق بابين وأبنائها ومقدراتها اكبر بكثير من الفترات القصيرة المحددة في نظر المواطن لينجز فيها صندوق اعادة الاعمار بابين تعويض الضرر للمنازل او المزارع المتضررة بدفع التعويضات بالتقسيط وتحتاج وقت وقبلها مشاركة الجميع مجتمعات ودول في الدعم لإنهاء اثار الحرب.
هنا لابد من الاعتراف ان حجم الدمار كان اكبر من امكانية بلد لايزال يعاني من اضطرابات سياسية ومن مشكلات اقتصادية ومن نقص في الخبرات والقدرات في ادارة الازمات والأوضاع الناتجة والناشئة عن الحروب – بل حتى في التعامل مع الكوارث الطبيعية ( كالزلازل والفيضانات ، كما حدث في حضرموت ) بل ان اجهزة الدولة عجزت من التعامل مع هذه الكوارث الطبيعية.، فكيف يمكن لها ان تتعامل مع اوضاع اكثر خطورة من الكوارث الطبيعية ؟ فحجم الدمار والضرر الناتج من الحرب في ابين ضعف الاضعاف من الضرر لتلك الكوارث التي لم تعالج الى يومنا هذا ، ومسالة التغلب عليه تتطلب عشرات السنوات وإجراءات متواصلة تعالج الدمار ثم الضرر الناشئ وتداعياته ، وان تتساوي كفتي ميزان العدل تجاه مسالة الدفع بين مأساة تضحية المواطن التي لم يدفعها بالتقسيط والتعويض الذي ُتلزمه الحكومة بقبوله بالتقسيط الأمر الذي يجب يُحسم في ادنى مستويات ممكنه للعدل وهو (دفع التعويضات دفعة واحدة ).
باندفاع من ضغط المعاناة والماسآة وبصورة عفوية نرى اليوم من يوجه سهامه لصندوق اعمار أبين في الوقت الذي يُجمع فيه الكثير من ابنائه ان مشكلات محافظتهم، لا يمكن ان تُحل إلا بتضافر جهودهم انفسهم للبناء لا للهدم ، وان الوضع يتطلب من الجميع الابتعاد عن احداث الارباكات ، فعلينا جميعاً تشخيص المشكلات أولاً ثم تفهم الوضع ثم المساهمة في وضع الحلول والرؤى ان كان هناك قصوراً، وان نشجع الايجابيات والنجاحات التي لا يمكن لأحد انكارها، كما لا يمكن انكار وجود اخطاءات كانت بدافع الاستعجال لانجاز العمل، وتنفيذه بصورة سريعة في ادارات ناشئة تحتاج لفترات طويلة من الاعداد، والرقابة والتنظيم والمراجعة وقبلها التخطيط .. وكل هذا كان بدافع الاسراع من اجل الوصول لتحقيق العودة السريعة للنازحين وغير المخطط لها.
برهنت التجارب ان اسباب الأخطاء في أي مرفق تعود للاستعجال في التنفيذ غير المخطط دون مراعاة ألنتائج، وهذا هو ما حصل مع صندوق الاعمار بابين بسبب الارباكات والضغط وإعمال الاثارة العفوية او الموجهة ، بعد ان أثبتت النتائج عدم صحة الاتهامات السابقة سوى ارباكات ادارية ، وهاهو المواطن يكرر انتهاج الخطاء والضغط الشعبي والحكومي بالاستعجال على الادارة الجديدة لتنجز كل شي في حين لم يُمر الا شهرين على تسلمها للعمل، دون احتساب النتائج التي قد تأتي على غير توقع ، ولكي لا نُكرر الخطاء، او نعالج الخطاء بالخطاء علينا الصبر والتعاون، وان لا نجعل انفسنا سهاماً لغاية الاستهداف ليرمينا بها غيرنا او ننسف كل ما تحقق بنوايانا السيئة احياناً تجاه بعضنا البعض، او استباق الاحداث، وعلينا اصلاح انفسنا وإصلاح الخلل ان وجد، وان لا نغيب الدور المنسي لصندوق الاعمار في عودة النازحين الى ديارهم، وجهوده في إعادة الاستقرار الى محافظة ابين بعد تحريرها من قبضة القاعدة، وعلينا ان نتذكر الوضع في ابين في النصف الثاني لعام 2012 م – 2013م وتعقيداته حينها في كل القطاعات، فالأمن لم يستطع انذاك تحقيق خطة اعادة التموضع والانتشار ألأمني وهذا كان مكلف ، لا بعودة المجتمع النازح ، و عودة العمل في كل القطاعات التي تعثر عملها ، وكانت الكلفة باهظة، إلا ان دور اعادة الاعمار عاد الحياة الى المدن المتضررة، كما ان صرف التعويضات أنعش السوق، وحرك كل ساكن لتعود فرص العمل تدريجياً في العام المنصرم، وهاهي تعويضات القطاع الزراعي (الدفعة الاولى) اعادة احياء النشاط الزراعي في مطلع العام ألحالي كل هذه النجاحات، وان كانت في حدها الأدنى لكنها تعد عملاً جباراً مقارنةً بحجم الدمار حيث اسهمت بإعادة الاستقرار للأوضاع بابين.
مقالات أخرى