في اعتقادي أنه قد حان الوقت لتعويض الجنوبيين عن كل ما خسروه وما دفعوه من أثمان باهظة فرضتها المصالح والسياسات الدولية على بلدهم اعتبارا من ثورة أكتوبر التي كانت مفتاحاً لباب بؤسهم وتعاستهم لتتحول مدينة "عدن" التي كانت قبل الثورة أنشط وأرقى سوق وميناء في الجزيرة والشرق عموما إلى مدينة أشبه بالقرية التي لا تجد فيها ضروريات الحياة المعاصرة ناهيك عن الحروب الموسمية العبثية التي تهلك الحرث والنسل.
لاشك بأن البيات الشتوي الطويل للرئيس البيض في عمان كان غريباً ! غير ان الأغرب من ذلك هو نفور البيض الشديد من بقية رفاقه - الذين يؤرقهم أن تكون بلدهم أسيرة ومستباحة - من أمثال الرئيس الأسبق علي ناصر محمد والرئيس حيدر أبوبكر العطاس ومحمد علي أحمد وغيرهم . ورغم الجهود الحثيثة المتواصلة الرامية إلى تواصلهم مع البيض لتوحيد الصف والخروج بالبلد من أزمته في هذه المناخات التي ساهمت في إنضاج قضيتهم إلا ان البيض كان عصيا عليهم حتى أنهم بدوا لا يعرفون كِن هذا النفور! ولا يجدون له تفسيرا ؛ فشخصيات من أمثال عبد الرحمن الجفري وحيدرة مسدوس التي كانت هي الأقرب إلى البيض قبل أسابيع لم تعد اليوم على نفس المسافة منه. أما المناضل حسن باعوم فقد ذهب إلى المملكة العربية السعودية وهو أمرٌ يتجه بعكس عقارب ساعة البيض.
هل ينفض رفاق الأمس عن البيض ويتركونه وحيداً وفق رغبته ؟ أم أنهم من أجل وطنهم يواصلون صبرهم عليه ويبادلون صدوده بالوصال.
كثيرا ما كان البيض يردد كلمة اشتهر بها :(كل ما علينا أن نعمله هو استعادة دولة الجنوب وسنترك الأمر للشباب ليديروا دولتهم فيه)
***
المدقق في النظر إلى الأفق السياسي الدولي يرى سُحباً كثيفة تتشكل تنذر بمتغيرات سياسية سونامية عظيمة تغير موازين القوى في العالم. فأمريكا التي دشن مشروع تحطيمها رئيسها الأسبق جورج بوش الابن الذي قام بمهمة "قرباتشوف" تمكن خلال فترتي رئاسته من تدمير غالبية الدعامات الأخلاقية والمادية التي قامت عليها هذه الدولة وبفعله غادرت غالبية الشركات العملاقة إلى الصين ولم تُبقي هناك إلا مؤخراتها. هذه الدولة قامت بالمقامرة على أكبر رمزين لها وهما رمز قوتها العسكرية "مبنى البنتاجون" ومركز التجارة العالمية رمز قوتها التجارية الذي تم تحطيمه عنوة عن طريق التفريغ الهوائي في الحادي عشر من سبتمبر لتنتهج أمريكا بعد ذلك سياسة الفوضى الخلاقة المتخبطة؛ لتكون أشبه بذلك النسر الأمزوني عند ما يصير جرحه بليغاً. هذه الدولة التي كانت ما قبل بوش الإبن تمتلك غالبية احتياطيات العالم من العملات الأجنبية؛ صارت الصين اليوم تمتلك أضعاف ما تمتلكه هذه الدولة العجوز التي يبدد اليوم ساستها موارد خزينتها المالية باسم مكافحة الإرهاب ومحاربة القاعدة في أفغانستان.
الصين هي أحد أبرز دول التحالف المضاد الجديد الذي يضم في عضويته البرازيل وكل دول أمريكا اللاتينية بما فيها ايرلندا التي تلوح فيها بوادر الانفصال عن بريطانيا تحقيقا لهذا السيناريو الجديد ، سيكون في هذا الحلف عمالقة دول آسيا بما فيها الهند وباكستان واندونيسيا واليابان التي ستتحرر من القيود التي كُبلت بها مُذ الحرب العالمية.
دول "الرسيان" الثمان التي كانت ضمن الجمهوريات السوفيتية تعود إلى روسيا.
لقد دشن الصراع بين القوتين في سوريا فقد جمعت الولايات المتحدة قواها التقليدية غير النظامية وزجت بهم في الحرب ضد النظام في سوريا لقد وظفت في هذه الغاية حتى "أيمن الظواهري" وقاعدته التي تحركها وفق مقتضياتها. لذلك فإن المراهنين على هذه القوة الآفلة يراهنون على الجواد الخاسر.. ألم يتعظوا من كل تلك الوعود الأمريكية لهم في لبنان والتي سرعان ما تحطمت على صخرة صمود المقاومة اللبنانية. أين وعود السفير الأمريكي وأين نتائج كل تلك الزيارات المكوكية ل(كندريسا رايز). وأين هي نتائج الأزمة اللبنانية التي افتعلت بمقتل الشهيد الحريري الذي عاش وطنياً على عكس من يتخبط في المطالبة بدمه ...هل صنعت لهم أمريكا شيئاً غير تلك الوعود الكاذبة؟
في اعتقادي لم يكن التجاء علي سالم البيض إلى هذا المعسكر اعتباطاًَ.. أتوقع أنه سيتم تعويض الجنوبيين عن كل زمان الحرمان والتطاحن التي دفعوها ثمنا للحرب الباردة السابقة ولعل ذلك يفسر انزواء البيض عن بقية رفاقه كونه يحمل دون غيره (الباسورد) التي لم يكن من مصلحة القضية أن يكشف النقاب عنها من جهة ومن جة أخرى فالبيض لا يريد لرفاقه منةً في معالجة مشكلة الوحدة التي يتحمل نتائجها دون غيره؛ ولعله بذلك يفئ بوعده للجنوبيين بإعادة دولتهم المغتصبة. وفي اعتقادي بأن الأمر الفاصل في كل ذلك هو ميزان الحرب في سوريا هذه البلد التي جعلت منها ضرورة الحرب الباردة الراهنة منطقة تماس غير أن قوى التحالف الجديد لن تترك سوريا على الإطلاق وحيدة فالصين التي لم تستخدم حق الفيتو من قبل نجدها اليوم تستخدمه لسوريا بل ان مواقفها مع روسيا تجاه سوريا ستشهد تطورات غير عادية , ولعل موازين القوى أصبحت اليوم لصالح السوريين بعد فشل مؤتمر(أصدقاء سوريا).
كم هي غريبة هذه السياسة الأمريكية فهي تذكرنا بسياسة أنثى العنكبوت مع ذكرها.
فكما ان الولايات المتحدة قامت بتحطيم أهم أركان دولتها فهي اليوم تقوم وللمرة الثانية بحرق أصدقائها في المنطقة كما حرقتهم من قبل في لبنان ثم تونس و مصر وليبيا.
مقالات أخرى