آخر تحديث :الجمعة 29 مارس 2024 - الساعة:05:51:21
الانتقال الجنوبي من لعنة الجغرافيا إلى نعمتها وازدهارها الحضاري
("الأمناء" عن درع الجنوب:)

أهمية موقع الجنوب الاستراتيجي سببٌ رئيسٌ في تداعي الأطماع والمؤامرات الخارجية

القوات المسلحة الجنوبية المعاصرة تمثل امتدادًا عضويًا وروحيًا لجيش الجنوب السابق

 

 

كانت وما زالت الأهمية الاستراتيجية لموقع الجنوب سببًا رئيساً في تداعي الأطماع والمؤامرات الخارجية، وعلى رأسها اليمنية الحاملة على ظهرها أطماع أطراف إقليمية كإيران تحديدًا، وبالتالي فإن هذه الأهمية تفرض وجود جيش قوي ذي عقيدة وطنية وقتالية مستحضرة التاريخ وبجاهزية تكون بمستوى التحديات والمخاطر والمؤامرات، وهذا ما تحقق لوطننا الجنوب من خلال قواته المسلحة والأمن.

فالجنوب دولة وجغرافيا ومن خلال تجانس وتكامل مكونه الجغرافي والاجتماعي يتحكم بمنحدر قاري يربط بين قارتي آسيا وأفريقيا ومنها إلى قارة أوروبا عبر مضيق باب المندب الذي تمر عبره ومن خلاله خطوط الملاحة الدولية ويرافقها الجنوب بموقعه ذهابا وإيابا من بوابة البحر الأحمر الجنوبية مرورا بخليج عدن إلى شرق بحر العرب وصولا إلى أعماق الخليج الهندي حيث تبدو جزيرة سقطرى كحامية لهذا الانسياب الحيوي والجوار الأزلي بين الجنوب وأهم الشرايين الحيوية للعالم.

وعلى ضوء هذه المعطيات كان من الطبيعي أن تجعل الإمبراطورية الاستعمارية البريطانية من عدن عاصمة الجنوب رئة أسفار مملكتها التي لا تغيب عنها الشمس وواحدة من أكبر قواعدها العسكرية في الشرق الأوسط وعمدت إلى جانب ذلك إلى بناء جيش محلي حليف في مختلف المحميات على فترات متلاحقة من زمن وجودها الاستعماري، لا سيما الحقبة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، وقد انعكس ذلك على طبيعة البناء العسكري لثورة الرابع عشر من أكتوبر ١٩٦٣م وتراكمه وتطوره وصولا إلى ما وصل إليه البناء التنظيمي لجيش التحرير وتنظيمها العسكري السري في الجيش والأمن الاتحادي.

وهنا يمكننا القول إن الدولة الجنوبية الحديثة الوليدة من رحم الـ٣٠ من نوفمبر ١٩٦٧م قد ورثت من الثورة وكفاحها المسلح جيشًا ثوريًا منظمًا ومن المستعمر ورثت أيضا مؤسسة جيش محترف وفقًا لمعايير زمانه، أشرفت على إعداده وتدريبه جيدًا السلطة الاستعمارية البريطانية التي حكمت الجنوب منذ 1839 وحتى 1967م وانحاز هذا الجيش إلى صف الشعب الجنوبي وثورته ضد المستعمر البريطاني.

كما ظل كذلك منحازًا لصف الشعب الجنوبي في كل المراحل، ليتكون إلى جانب الجيش المفعم بالتجربة والروح الثورية بناءً عسكريًا وأمنياً قويًا كان بحق بمستوى التحديات، عوضا أن جيش الجنوب قد استفاد من الحرب الباردة بين المعسكر الشرقي والغربي لا سيما في تطوير وتحديث بنائه وقدراته الدفاعية والأمنية والاستخبارية من خلال الأصدقاء الروس ليصل إلى مستوى جيش وطني احترافي ومن أقوى جيوش المنطقة آنذاك، لكنه وللأسف الشديد دفع ثمن تعزيز وجوده وتأثيره في حلبة صراع قطبي الشرق والغرب دون الانتباه إلى أن ألد الأعداء هو ذاك المتربص الضعيف، هناك في صنعاء حيث قبلت الدولة أن تكون قبيلة وقبلت القبيلة أن تكون دولة تبحث عن غزوٍ وغنيمة.

خاض الجيش الجنوبي فور إنشائه عقب الاستقلال في ٣٠ من نوفمبر ١٩٦٧م حروب دفاع وطني واستطاع أن يحقق انتصارات أبهرت المراقبين ويسحق الطرف المعادي ويتوغل في أراضيه كما حصل في حربي 1972 و1979م مع جيش الجمهورية العربية اليمنية.

نقلت العديد من مراكز الأبحاث العالمية المتخصصة في تقييم مستوى الجيوش النظامية تقارير وضعت جيش الجنوب في مراكز متقدمة على مستوى المنطقة، فقد جاء في تقرير للمخابرات المركزية الأمريكية أن "قوات اليمن الجنوبي مدربة بشكلٍ أفضل على استخدام معداتها، خاصة المدفعية والدبابات".

إن تجربة الصعود والهيبة المعتبرة التي اقترنت بسمعة جيش الجنوب وعناصرها الموضوعية والذاتية جديرة بالبحث والتحليل العميقين للاستفادة منها في بناء وتطوير جيشنا الجنوبي المعاصر، كذلك أسباب الإخفاق والوقوع في مخططات تآمرية وصولا إلى التفكك، والأخيرة جديرة بالاهتمام ووضعها في الحسبان، إذ كانت الإيدلوجية السياسية العابرة للحدود الوطنية وعلى مطية العاطفة القومية التي سادت في ذلك الوقت الوطن العربي والجنوب على وجه الخصوص قد نقلت أسباب تفكك.

إن الدولة الجنوبية السابقة وفي أوج اشتداد الصراع والتنافس الدولي على مصادر الطاقة والممرات والمضائق التجارية الدولية، بقيت أسيرة لعنة الجغرافيا وويلاتها الأطماع الخارجية، وشكلت عائقا أمام نهوضها وازدهارها الحضاري رغم الدور الحيوي الذي لعبته الدولة وقواتها المسلحة في تدعيم عناصر الاستقرار الإقليمي وفي حماية وتأمين الملاحة والتجارة الدولية.

القوات المسلحة الجنوبية المعاصرة وبما تمثله من امتداد عضوي وروحي ورسالة وطنية وقومية للجيش الجنوبي السابق، إلا أنها وبالاستفادة من تاريخها وتجاربها التاريخية وشراكتها المصيرية مع دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، قد حرصت أن تضع نصب اهتمامها وسياق بنائها المادي والفكري وعقيدتها القتالية والوطنية أن تتعاطى مع حساسية وخطورة وأهمية الموقع الجيوسياسي والاقتصادي والعسكري للجنوب العربي كقاعدة انطلاق لنهوضها وازدهارها الحضاري والتنموي وعلاقتها مع الإقليم وبقية دول العالم على أساس من المواثيق الدولية المكرسة لتعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي وضمان توسيع وتبادل المصالح والمنافع المتكافئة الخالية من كل عناصر الابتزاز وعوامل التوترات والصراعات التي تجعل من مثل هكذا جغرافيا لعنة ونقمة على شعوبها عوضًا عن كونها مصادر خير ونعمة.



شارك برأيك