2018-12-20 06:49:59
تغريدة مفاجئة للسفارة الامريكية في السعودية تحرض على “التظاهر السلمي” للوصول الى التغييرات السياسية والاجتماعية
اثارت “تغريدة” نُشرت باللغتين العربية والإنكليزية على حساب السفارة الامريكية في الرياض وقنصليتها في كل من جدة والظهران على “التويتر”، حالة من الغضب في أوساط مغردين سعوديين اعتبروها تحريضا ضد المملكة، ودعوة للتظاهر ونشر الفوضى، الامر الذي يشكل تدخلا سافرا في الشأن الداخلي السعودي يجب وقفه، حسب هؤلاء المغردين.
التغريدة التي نشرتها عدة وكالات انباء ومواقع سعودية “موثقة” وردود الفعل عليها في “التويتر” تضمنت الإشارة الى شريط “فيديو” حول هذه التظاهرات السلمية، وقالت “ان الأبحاث الأخيرة اكدت ان الاحتجاجات السلمية الخالية من العنف فعالة أكثر من ضعف فاعلية الاحتجاجات العنيفة، وطالبت المواطنين السعوديين بمتابعة هذا الفيديو”.
توقيت هذه التغريدة ونشرها، في الوقت الذي تتسم فيه العلاقات السعودية الامريكية بالتوتر يبدو لافتا، وصدورها عن السفارة الامريكية في الرياض لا يمكن ان يكون بمحض صدفة، وانما عمل مقصود ربما يعكس سياسة أمريكية جديدة عنوانها محاولة تحريض الجماهير السعودية على التحرك بشكل مكثف للضغط على السلطات السعودية الحاكمة لإجراء إصلاحات سياسية واجتماعية، والافراج عن المئات من الناشطين السياسيين المعتقلين خلف القضبان ودون محاكمات.
في آب (أغسطس) الماضي، أقدمت السفارة الكندية في الرياض على نشر تغريدة للسيدة كريستينا فريلاند، وزيرة الخارجية، تنتقد بشدة انتهاكات السلطات السعودية لحقوق الانسان، وتدعو فيها الى الافراج عن ناشطات وناشطين في المجتمع الدولي معتقلين في السجون السعودية “فورا”، الامر الذي أثار غضب الحكومة السعودية، التي بادرت بمنع السفير الكندي من العودة الى الرياض، واستدعت السفير السعودي في اوتوا، العاصمة الكندية، وأوقفت كل اشكال التعامل التجاري مع كندا، وطلبت من طلابها العودة فورا الى السعودية حيث سيتم توجيههم الى جامعات أخرى.
غضب السلطات السعودية على كندا غير المسبوق جاء لسببين رئيسيين:
-
الأول: لان وزيرة الخارجية طالبت في التغريدة التي ترجمت الى اللغة العربية، “بالإفراج الفوري” عن النشطاء المعتقلين، وجرى توزيعها الى اكثر من 12 الف متابع لموقع السفارة على وسائل التواصل الاجتماعي.
-
الثاني: ان السلطات السعودية في ردها العنيف هذا، والإجراءات العقابية الفورية بقطع العلاقات التجارية والاقتصادية مع كندا، ارادت توجيه رسالة واضحة الى “دول أخرى” تحذرها بعدم تكرار هذه السابقة الكندية التي تشكل تدخلا في الشأن الداخلي السعودي الذي يعتبر خطا أحمر وسيواجه برد قاس.
يبدو ان السفارة الامريكية في الرياض لم تأخذ بهذه الرسالة السعودية، ولم تأبه بالتحذيرات التي وردت فيها، وقررت الذهاب الى ابعد ما ذهبت اليه نظيرتها الكندية، بنشرها تغريدة تطالب المواطنين السعوديين بالتظاهر “سلميا” في مدن المملكة طلبا للإصلاحات السياسية والاجتماعية، واحتجاجا على حالة الغلاء وارتفاع مستوى المعيشة، وارتفاع معدلات البطالة في أوساط الشباب تحديدا.
العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز يدرك جيدا هذه المطالب التي تعكس المعاناة في أوساط السعوديين، ولهذا قرر قبل يومين، وبالتزامن مع اعلان الميزانية السنوية السعودية التي جاءت الاضخم في تاريخ المملكة، وتجاوزت التريليون ريال، وبعجز يصل الى 35 مليار دولار، العاهل السعودي قرر تجديد “منحة” غلاء المعيشة لموظفي الدولة للعام الثاني على التوالي، وتقدر بحوالي ألف ريال شهريا، ولكنها تظل على أهميتها اقل بكثير من المطلوب لمواجهة الغلاء وارتفاع تكاليف المعيشة، حسب رأي بعض الخبراء الغربيين.
ما زلنا نجهل الأسباب التي دفعت السفارة الامريكية في الرياض، وهي الاضخم في منطقة الشرق الأوسط، وربما في العالم بأسره، لكسر البروتوكول والأعراف الدبلوماسية وإصدار هذه التغريدة، وفي مثل هذا التوقيت بالذات، فهل قررت الحكومة الامريكية تكثيف ضغوطها على نظيرتها السعودية، والأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، لإجراء “تغييرات ما” في هيكلية الحكم بعد قرار مجلس الشيوخ الذي صدر بالإجماع وحمل الأخير، أي ولي العهد السعودي، المسؤولية عن اغتيال الصحافي جمال خاشقجي ووقف كل اشكال التعاون معها، أي السلطات السعودية في حرب اليمن، بما في ذلك بيع الأسلحة والذخائر؟ ام لحثها على الاقدام على خطوات تطبيعية علنية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي؟ ام انها تغريدة جاءت ردا على الاحتجاج الرسمي السعودي العنيف على قرارات مجلس الشيوخ المذكورة آنفا؟
السؤال الذي يطرح نفسه هو عن طبيعة الرد الذي يمكن ان تقدم عليه السلطات السعودية على هذه “التغريدة” الخطيرة والخارجة عن المألوف، ومن السفارة الامريكية في الرياض، التي تحرض على “التظاهر” ونشر الفوضى مثلما وصفها معظم المغردين السعوديين في بلد يعتبر هذا التظاهر جريمة قد تصل عقوبتها الى الإعدام؟ وهل سيكون هذا الرد بالعنف نفسه على تغريدة كندية مماثلة؟
من الصعب علينا الإجابة على هذا السؤال، فأمريكا ليست كندا أولا، ولان التصعيد السعودي الرسمي ربما يقابل بتصعيد امريكي أكبر واكثر تأثيرا ثانيا، ولان السعودية ستخرج الخاسر الأكبر سياسيا واقتصاديا وعسكريا في حال حدوث المواجهة لأنها ستواجه رئيسا أمريكيا متهورا، ودولة أمريكية عميقة لا تكن للحكم السعودي الكثير من الود حاليا، ثالثا.
التريث والانتظار هما عين الحكمة، ولكن الامر “شبة المؤكد” ان هذه التغريدة تشكل تدخلا فعليا في الشأن الداخلي، لدولة صديقة وحليفة لأمريكا، وستكون لها انعكاساتها في أوساط السلطات الحاكمة السعودية حتما، وربما تؤشر الى مرحلة من التوتر في العلاقات الاستراتيجية بين البلدين الحليفين، خاصة اذا جاءت في اطار استراتيجية تصعيد أمريكية جديدة ومتعمدة.. والله اعلم.