2025-04-18 20:56:01
طلابنا بين انقطاعات الكهرباء في صيف حار وقرارات عبثية من خلف مكاتب مكيفة

 

في مشهد يتكرر كل عام، يجد طلابنا أنفسهم عالقين في دائرة من المعاناة المتكررة، حيث تتزامن الامتحانات مع موجات حر شديدة وانقطاعات مستمرة في الكهرباء، وكأن هذا البلد لا يتعلم من أزماته المتكررة ولا يضع خططًا لتفاديها. وفي المقابل، تصدر قرارات مصيرية من خلف مكاتب مكيفة، بعيدة كل البعد عن معاناة الناس، وكأن من يتخذها لا يسمع أنين الطلاب ولا يرى العتمة التي يذاكرون فيها. فكيف لطالب يعيش وسط ظروف كهذه أن يركّز؟ كيف يُطلب منه أن يجتهد ويحقق أعلى الدرجات، بينما بيئته التعليمية لا توفر له أبسط الحقوق: إنارة مستمرة، مكان مريح، وهدوء يسمح له بالتركيز؟ الكهرباء تنقطع لساعات طويلة في عزّ النهار، ثم تمتد حتى المساء، فلا تبرد الغرف، ولا تهدأ الأعصاب، ولا تسعفهم حتى وسائل التبريد البديلة التي تحتاج إلى كهرباء أصلاً.

وفي المدارس، لا يختلف الحال كثيرًا. فصول دراسية بلا كهرباء، بلا مراوح، ولا حتى نوافذ جيدة التهوية. الطلبة يجلسون في مقاعدهم يواجهون حرارة خانقة، وأجسادهم تتصبب عرقًا، وعقولهم تجهد لمحاولة الاستيعاب وسط جو لا يُطاق. أي تركيز يُمكن أن يُطلب منهم في مثل هذه الظروف؟ كيف يُرجى من طالب أن يفهم درسًا أو يحل مسألة وهو بالكاد يستطيع الجلوس من شدة الحر؟ هذه ليست بيئة تعليمية، بل بيئة طاردة للعلم، قاتلة للطموح.

ثم تأتي القرارات الوزارية وكأنها مفصّلة على واقع مثالي لا وجود له. امتحانات في مواعيدها، دون تأجيل أو مراعاة للظروف، وتقييم صارم، لا يترك مجالاً لشيء من الإنسانية أو الفهم الحقيقي للبيئة التي يعيش فيها الطالب. قرارات باردة في مضمونها، صادرة من أماكن باردة في جوها، لكنها تحرق قلوب الطلاب وأهاليهم.

*المعلمون أيضًا في ميدان المعاناة

ولأن الواقع المأساوي لا يقف عند حدود الطلاب فقط، فإن المعلمين اليوم يخوضون معركة من نوع آخر، معركة الكرامة والحقوق، في ظل تجاهل تام من وزارة التربية والتعليم. الإضراب الذي أعلنه المعلمون لم يأتِ من فراغ، بل جاء بعد سنوات من التهميش، ووعود لم تُنفذ، وظروف عمل لا تليق بمن يحمل رسالة التعليم. ومع ذلك، يُقابل رفضهم للعودة إلى المدارس بعين باردة من الوزير، وكأن صوتهم لا يُسمع، وكأن مطالبهم رفاهية لا ضرورة. كيف يُطلب من معلم أن يزرع في طلابه الأمل، وهو نفسه محروم من أبسط مقومات الحياة الكريمة؟ كيف يُنتظر منه أن يبدع، وأن يعطي من قلبه، بينما يُقابل بالإهمال والتقليل من شأنه؟

وما يزيد الطين بلة أن الوزير – القابع في مكتبه المكيف – لا يُبدي أي نية للحوار، أو حتى تفهم مطالب المعلمين المشروعة. لا اجتماعات جادة، ولا خطوات إصلاحية، فقط صمتٌ رسمي، وتصريحات جوفاء، لا تمت للواقع بصلة. وكأن العملية التعليمية يمكن أن تستمر دون معلم، أو أن القرارات تُطبق قسرًا بلا مراعاة لمن سينفذها على الأرض.

فهل يُعقل أن تُبنى العملية التعليمية على أكتاف مُنهكة وقلوب مكسورة؟ وهل يُرجى منها نجاح في ظل كادر تعليمي محبط، وبيئة طاردة للعلم والمعلمين معًا؟

*رسالة مفتوحة من قلب المعاناة

وهنا نسأل: هل المطلوب من الطالب أن يكون خارقًا؟ أن يتحدى حرارة الطقس، وسوء الخدمات، وضغط التوقعات، في الوقت الذي لا يُطلب من المسؤولين إلا أن يُعيدوا النظر في قراراتهم، أن ينزلوا من أبراجهم العالية، وأن يعيشوا يومًا واحدًا فقط في ظل هذه الانقطاعات؟

لا نطلب المستحيل، بل فقط قليلًا من الفهم، وكثيرًا من الرحمة. نريد أن تُبنى السياسات التعليمية على الواقع، لا على تصورات نظرية في مكاتب مغلقة لا يصلها صوت المولّد ولا صوت الطالب المنهك. نريد قرارات تنحاز للطلاب والمعلمين معًا، لا تزيد من أعبائهم، ولا تتجاهل صراخهم الصامت.

طلابنا لا يحتاجون إلى مزيد من الضغط، ولا إلى شعارات جوفاء عن الصبر والتحمّل، بل إلى بيئة دراسية عادلة، ودعم حقيقي يشعرهم أن هناك من يراهم ويسمعهم. فهم ليسوا أرقامًا في سجلات الامتحانات، بل هم أبناء هذا الوطن ومستقبله، ومن حقهم أن يحلموا، وأن ينجحوا، دون أن يُحرقهم حرّ الصيف أو تُثقلهم قرارات لا تعنيهم بشيء سوى المزيد من المعاناة.
فماذا ننتظر من جيل تُفرض عليه قرارات لا تراعي واقعه، ولا تحاكي ظروفه، بل تزيده ألمًا فوق ألمه؟
جيل يُحمّل فوق طاقته، ويُحاسب على نتائج لا يملك أدواتها، في حين أن من بيدهم القرار يراقبون من بعيد، من خلف مكاتبهم المكيفة، لا يشعرون بحرارة الموقف ولا بحرارة البلاد.

كتب/
منى علي سالم البان
17  ابريل 2025

http://alomana.net/details.php?id=241527