من مديرياتها الشرقية والشمالية حتى قلبها النابض بكريتر والمعلا، احتفلت العاصمة عدن هذا العام بأحد أكثر أعيادها زخماً واستقراراً وحيوية منذ ما يقارب عقد من الزمان، أي منذ الغزو الحوثي الغاشم على المدينة عام 2015م. وعلى الرغم من الزخم الكبير والزحام الشديد غير المسبوق الذي شهدته عدن أيام عيد الفطر هذا العام، إلا أن أجواء عيد خاصة واستثنائية عمت المدينة، ميزتها عن باقي المحافظات الأخرى، وأعادت إحياءها من جديد.
لقد كان العيد حفلة مفتوحة تشارك بهجتها جميع المواطنين والزوار من المحافظات المجاورة، إلا أن عدن وحدها هي التي احتضنتهم تحت عنوان عريض: "عدن آمنة ومستقرة، سعيدة، تعانق وتحتضن الجميع".
*تدفق بشري هائل*
لم تشهد عدن خلال الأعياد الماضية مثل هذا التدفق الكبير من الأهالي والزوار، واكتظاظ الحدائق والمتنفسات والأسواق وكذا الازدحامات المرورية؛ إذ سجلت المدينة الساحلية هذا العيد أعلى معدل تدفق للزوار منذ اندلاع الحرب ومن مختلف المحافظات، خصوصاً المناطق الشمالية، في مشهد فاتن أعاد إلى الأذهان صورة المدينة كواجهة للسياحة والتعايش والسلام.
لم يكن التدفق الكبير للزوار إلى عدن مجرد حالة موسمية بالتزامن مع الأعياد، بل يعكس تحول العاصمة إلى وجهة سياحية رئيسية تحتضن الجميع من كل أنحاء المحافظات.. فقد شهدت شواطئها الجميلة ازدحاماً بشرياً غير مسبوق في تاريخ المدينة، وامتلأت المجمعات التجارية والحدائق والمتنزهات والفنادق بالزائرين، والحدائق العامة بالزوار، في إشارة إلى أن مدينة عدن باتت مركزاً حيوياً للنشاط السياحي والتجاري في البلاد.
*رضاء وإشادة واسعة*
وقوبلت الحالة التنموية والأمنية الفريدة التي لمسها كل من زار المدينة خلال الأيام القليلة الماضية بالرضاء والإشادة والثناء، مؤكدين أن مدينة عدن صارت اليوم أكثر أمناً واستقراراً من أي وقت مضى.
كما وثق العديد من الناشطين والزائرين للعاصمة عدن حجم التحولات التنموية والخدمية والأمنية التي شهدتها المدينة، مما عزز الثقة لدى الجميع بأن عدن استعادت عافيتها تماماً وعادت إلى سابق عهدها مدينة الجمال والحب، وواحة السلام والأمان والسلام والاستجمام وصفاء النفس.
رئيس مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات صالح أبو عوذل، أكد أن مدينة عدن تحولت خلال إجازة عيد الفطر المبارك إلى واجهة رئيسية للزوار من مختلف المحافظات المجاورة لاسيما الشمالية؛ لقضاء العطلة، مشيراً إلى أن هذا "الإقبال اللافت على عدن يعكس حالة الأمن والاستقرار التي تعيشها المدينة، والتي أسهمت في تعزيز حركة السياحة الداخلية والنشاط الاقتصادي، وهذا يحسب لنجاح الخطة الأمنية الشاملة التي نفذتها الأجهزة الأمنية خلال العيد".
*تعامل أمني راقٍ*
وأوضح أبو عوذل، وهو أحد سكان مدينة عدن، أن "انتشار الدوريات الأمنية في مختلف المديريات وكذا تعاون المواطنين مع الأجهزة الأمنية ورجال المرور، جهود ساهمت في تهيئة بيئة آمنة مكّنت الزوار من الاستمتاع بأجواء العيد دون أي معوقات".
لحظة فريدة استعادت فيها عدن ذاتها، وهدوءها، وبريقها المدني الآمن والمسالم. فمن رمال شواطئها الذهبية في جولد مور إلى حدائقها ومتنفساتها العامة، غاصت المدينة بالأهالي والزوار الذين تدفقوا بعشرات الآلاف لقضاء إجازة العيد.
لكنّ ما أثار الانتباه وبشكل لافت، هو ما قاله الصحفي العدني محمد البُقعي، من أن "هذا الازدحام لم يُترجم إلى فوضى". مستدركاً: "بل على العكس، كانت المنظومة الأمنية حاضرة بقوة ناعمة في كل ركن: دوريات أمنية، نقاط تفتيش، رجال شرطة ومرور يتعاملون بابتسامة وسلاسة وانضباط".
*مدينة تسترد دورها.. وحلم يتعافى*
ما ميّز الإجراءات التي اتبعتها الأجهزة الأمنية في هذا العيد، هو سلاسة التعامل مع الداخلين والخارجين من وإلى المدينة، وانسيابية الحركة المرورية التي جرى اعتماد خطتها خلال العيد، بالإضافة إلى تبنيها نهجاً إنسانياً في التعامل مع الزائرين.
"لا ممارسات تعسفية، لا مضايقات، لا شكاوى تُذكر".. بهذه العبارة وصف خالد الجبلي، زائر من محافظة إب، تجربته في عدن خلال العيد، مضيفاً: "شعرنا وكأننا في مدينة أوروبية".
أما أحمد منصور، زائر من محافظة تعز، فلم يختلف تصريحه كثيراً عن خالد الجبلي، بل أشاد أيضاً بالمعاملة الحسنة والأخلاق الطيبة التي يتحلى بها رجال الأمن في نقاط التفتيش والحدائق والمتنزهات والأماكن العامة؛ حيث قال: "عاملونا باحترام"، وأضاف: "شعرت وكأننا دخلنا مرحلة جديدة".
*استقرار لم يأتِ بالصدفة!*
إن الاستقرار الذي تعيشه العاصمة عدن اليوم ليس محض صدفة؛ بل هو ثمرة ونتاج جهود مكثفة وتنسيق عملياتي مستمر بين وحدات الأجهزة الأمنية بكافة تشكيلاتها، وبتوجيه مباشر وإشراف مستمر من عضو مجلس القيادة الرئاسي نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي القائد عبدالرحمن المحرّمي، الذي تولى في أغسطس الماضي، الإشراف الكامل على عمل القوات الأمنية، ومكافحة الإرهاب، ولعب دوراً محورياً في ترسيخ الأمن والاستقرار وتنظيم الأداء الأمني في العاصمة عدن ومختلف المحافظات الجنوبية.
تجلت بصمات القائد المحرّمي في جاهزية قوات مكافحة الإرهاب وتفعيل غرفة العمليات المشتركة وتكامل الأدوار بين مختلف الوحدات الأمنية، مما ساهم في تحقيق استقرار شامل في المدينة دون أي مظاهر قسرية أو تعسفية، يضاف إلى ذلك تحديث قواعد البيانات، واستمرار عملية التأهيل والتدريب، والأهم: بناء علاقة ثقة بين الأمن والمجتمع.
ففي الوقت الذي كان الأطفال يركضون على الكورنيش، والعائلات تتناول الغداء تحت ظلال أشجار متنزهات صيرة وبستان وملاهي الكمسري بالشيخ عثمان، والسيارات تملأ شوارع خور مكسر حتى ساعات متأخرة، كانت عيون رجال الأمن تحرس المشهد بصمت ويقظة.
*رسائل للداخل والخارج*
نجاح هذه المناسبة لا يقتصر على العيد فحسب، بل يحمل دلالات أوسع. فعدن اليوم تعيد تقديم نفسها كمركز للتعافي الوطني. وأصبحت نموذجاً يحتذى به، وقد لاحظ مراقبون وأكاديميون هذه النقلة النوعية، وأشادوا بالتنسيق "الاستثنائي" بين السلطات المحلية والأجهزة الأمنية، والذي مثّل نموذجاً يمكن تعميمه مستقبلاً.
*تحوّل نوعي*
وفي ذات الشأن، أكد د. فضل الربيعي أستاذ علم الاجتماع بجامعة عدن، أن ما لمسه وشاهده الأهالي والزوار خلال هذا العيد في عدن ليس مجرد "عيد ناجح"، بل إعلان عن تحوّل نوعي في الحالة الأمنية، مشيراً إلى أن عدن لم تعد تعيش على هامش الأمن، بل في قلبه.
وحول طبيعة هذه المدينة العريقة، قال الدكتور الربيعي: "اليوم تستعيد مدينة عدن العريقة طبيعتها الأصلية: مدينة للسلام والسكينة والانفتاح على الآخر".
*نجاح متجاوز، ودلالات أوسع*
عدن اليوم ترسل إشارات قوية لكل من يراقبها من بعيد أو عن قرب. فهذه المدينة وبفضل رجالها المخلصين، صارت بيئة طاردة للفوضى والقلق الأمني، وتسير في الطريق الصحيح من التاريخ .
ومازالت مدينة عدن تثبت للجميع بأنها قبلة الزائرين وموئل القاصدين الباحثين عن الأمن والاستقرار والراحة والمتعة وصفاء النفس.. المدينة التي تشد إليها الرحال وتؤمها القلوب قبل الأجساد، لما حباها الله من طبيعة آسرة للقلوب والأرواح، وبما تتمتع به من مقومات أمنية وسياحية وتنموية زاخرة.