بعد سنوات من بناء شبكة وكلاء في المنطقة، تواجه إيران اليوم مرحلة مفصلية، حيث تتغير موازين القوى على عدة جبهات.
فقد أدى صعود قادة جدد في سوريا ولبنان بعيدا عن هيمنة إيران، إلى تنامي نزعة الاستقلال عن التأثيرات الخارجية.
فيما تشهد بعض الفصائل العراقية مراجعات داخلية لموقعها ضمن ما يسمى محور المقاومة، في ظل تطورات إقليمية ودولية متسارعة.
ورغم هذه التحديات، لا تزال بعض القوى المرتبطة بإيران تحافظ على موقعها، مثل الحوثيين في اليمن، الذين يعولون على الجهود الدبلوماسية الخارجية، لتجنب المزيد من التصعيد.
بيْد أن مراقبين يرون أن إعلان بعض الفصائل العراقية إعادة النظر في موقفها أو الحد من أنشطتها العسكرية قد يكون جزءا من استراتيجية أوسع، تهدف إلى التكيف مع الضغوط السياسية والعسكرية وتجنب الصدام المباشر مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، دون أن يعني ذلك تفككا حقيقيا للمحور.
وفي هذا السياق، تبرز تصريحات مسؤول إيراني لصحيفة "تليغراف" البريطانية، قبل أيام، كشف فيها أن بلاده قررت سحب قواتها العسكرية من اليمن ووقف دعمها للحوثيين، بالتزامن مع تكثيف الولايات المتحدة ضرباتها الجوية ضد المليشيات وتحذيرات ترامب لطهران بضرورة وقف دعمها لهذه الجماعة.
ووفق المسؤول الإيراني، الذي لم تكشف «تليغراف» عن اسمه، فإن هذا القرار تم اتخاذه بهدف "تجنب مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة في حال مقتل جندي إيراني".
ورغم غياب التأكيد الرسمي العلني من قبل إيران، لفت المسؤول نفسه إلى أن بلاده “تقوم بإعادة تقييم سياستها” تجاه الجماعات الوكيلة في المنطقة، مع تركيزها الأساسي الآن على "التهديدات المباشرة من جانب الولايات المتحدة".
يعتقد المحلل السياسي اليمني مروان محمود أن "محور إيران قد يمر بمرحلة من التكيف أو إعادة التموضع، نتيجة الضغوط المتزايدة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، مع الاستفادة من ديناميكية الأدوار المختلفة التي تلعبها القوى المتحالفة معه".
وأشار في حديثه مع "العين الإخبارية" إلى أن "الهدف الأساسي للولايات المتحدة ليس بالضرورة تفكيك هذا المحور بالكامل، كما فعلت إسرائيل مع حزب الله في لبنان وحماس بغزة، بل إعادة توجيه مواقفه بطريقة تتماشى مع التوازنات الإقليمية والدولية".
وفي الوقت ذاته، يرى محمود أن الجماعات المتحالفة مع إيران، مثل الحوثيين، "لن تستجيب للرغبات الأمريكية حتى لو استجابت طهران من باب تقديم مصالحها على حساب أذرعها".
وأضاف أن "المحادثات المرتقبة السبت، والتي أعلن ترامب عنها بين واشنطن وطهران، ستحدد مصير المحور الإيراني والمتوقع في حال أصرّ على سياسته أبن يتعرض بقية الوكلاء لتفكيك على غرار ما حدث لحزب الله، وليس القضاء التام".
أما بالنسبة للباحث السياسي يعقوب السفياني، فإن "التغيرات الأخيرة في المنطقة قد تعكس بداية تحول في طبيعة التحالفات، لكن من المبكر الحديث عن تفكك كامل".
فبينما تأثرت بعض الجماعات الموالية لإيران، يشير السفياني إلى أن "هناك قوى لا تزال تمتلك القدرة على إعادة التموضع، كما هو الحال مع حزب الله في لبنان، والحوثيين الذين رغم الضربات العسكرية لا يزالون في المشهد، ويختبئون في معاقلهم، وأسلحتهم التي لم تُدمر بالكامل".
وفي هذا الصدد، أضاف في حديثه مع "العين الإخبارية" أن "الحوثيين لا يزالون يقدمون أنفسهم كبديل لقيادة المحور في المنطقة بعد إيران مباشرة"، لافتا إلى أنه رغم الضربات المؤلمة التي تتلقاها المليشيات منذ 15 مارس/آذار الماضي، على يد القوات الأمريكية، إلا أنه لا يزال بإمكانها "خوض معتركات داخل وخارج اليمن".
والأمر نفسه بالنسبة للفصائل العراقية، رأى المحلل السياسي اليمني، أنه تم كبح جماحها داخليا وهذا كان متوقعا، و" مع ذلك
لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت هذه التغييرات ستؤدي إلى إعادة رسم الخريطة السياسية بشكل جذري، أم أنها مجرد إعادة تموضع تكتيكي ضمن سياق متغير".
وما بين التكتيكات والاستراتيجيات، يترك المراقبون المشهد الإقليمي مفتوحا على احتمالات عدة، حيث تتفاعل العوامل المحلية والدولية لتشكيل مستقبل التحالفات، في ظل واقع متحرك يفرض على جميع الأطراف خيارات معقدة.