2023-01-19 19:14:59
مقترحات لنظام ضريبي أكثر شمولية وفاعلية (2)

 

بعد أن تحدثنا في الحلقة الأولى عن التدابير الإصلاحية التي يجب أن يتخذها المسئولون، وأهمية الحد من التضخم، وتوصيات للإصلاحات الضريبية لتحقيق العدالة الاجتماعية، ويجب أن يصبح الكفاح لأجل العدالة المالية أكثر مركزية بالنقاشات السياسية، وأهمية تقليص العجز المالي وتحقيق استقرار اقتصاد كلي لضمان نمو مستقبلي، ولماذا يُهمل إصلاح سياسات التدقيق الضريبي والتزام الممولين، نتحدث اليوم عن أمور أخرى.

 

زيادة حجم الإيرادات وجعلها أكثر إنصافاً

(التغييرات المتوسطة المدى اللازمة لزيادة حجم الإيرادات وجعلها أكثر إنصافاً)، وعن هذا فمن المهم عند تحديد الإيرادات المستهدفة على المدى المتوسط، إدراك أن التغييرات الهيكلية التي أحدثتها الأزمة الحالية تؤدي إلى انخفاض الإيرادات الضريبية إذا ظلت المعدلات الضريبية الحالية دون تغيير. وفي حين أن الانخفاض الحالي في الإيرادات يُعزى جزئياً إلى حالة الركود الحاد، فإنه يرتبط أيضاً بالانخفاض الحاد في الواردات وعائدات الفوائد، والتي انخفض كلاهما بمقدار النصف تقريباً على المدى المتوسط، ليس من المتوقع أن تستعيد الواردات وعائدات الفوائد مستوياتها السابقة.

في ضوء ما سبق، نرى أنه يتعين أن ترتفع الإيرادات تدريجياً مع مرور الوقت حتى تتمكن من استعادة مستوياتها، وبالتالي فهو هدف يشكل تحدي، رغم ضرورته.

وسيتطلّب تحقيق هذا الهدف وجود مصادر إيرادات جديدة للتعويض عن الانخفاض الحاد الهيكلي في الإيرادات المتأتية من الضريبة على القيمة المضافة، والجمارك، والضرائب المفروضة على عائدات الفوائد.

 

المزيد من الإيرادات (الضريبية) والمزيد من الإنصاف

كيف يُمكن زيادة الإيرادات؟ بالرغم من أن صندوق النقد الدولي عادة ما يرى أنه لا بد من زيادة معدلات الضريبة على القيمة المضافة بصورة ملحوظة حتى يحدث تدفق سريع للمال، فإنني لا أحبذا هذا الحل.

عادةً ما تقع الضرائب في الوقت الراهن إلى حد كبير على عاتق ذوي الدخل المحدود والطبقة المتوسطة، ولن تكون زيادتها مجحفةً فحسب، بل ستؤدي أيضاً إلى المزيد من الانكماش في الطلب، والاقتصاد بالتبعية. وعلى ذلك، فإن الإصلاحات التي تُلقي بعبء الضرائب على أغنى الطبقات في المجتمع تُعد ضرورية في الوقت الذي تجري فيه زيادة الإيرادات الضريبية، وهكذا يصبح النظام الضريبي تدريجياً أكثر إنصافاً وعدالةً بالتزامن مع تحقيق استقرار الاقتصاد.

نقدر أن حوالي نصف الزيادة الضرورية في الإيرادات الضريبية يمكن أن تأتي من تحسين وتفعيل الامتثال الضريبي.

أكبر المجالات التي يبدو فيها هذا ممكناً على المدى القصير، تأتي من الضرائب المحصلة عند الحدود (الضريبة على القيمة المضافة والجمارك)، والضرائب على الإيرادات (الأفراد والشركات) - التي نقدر أنها مجتمعة تصل إلى +2% من الناتج المحلي الإجمالي.

وعليه، سيتوجب على إدارة الجمارك أن تكون أكثر انضباطاً فيما يتعلق بتحصيل الإيرادات عند الحدود بمجملها، كما يمكن لترشيد نطاق تطبيق الضريبة على القيمة المضافة، لتشمل جميع السلع والمنتجات غير الأساسية كي تكون أكثر اضطراداً وتصاعديةً مما هي عليه الآن، أن يؤدي إلى زيادة إيرادات الضريبة على القيمة المضافة بنسبة إضافية تبلغ 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي. وثمّة حاجة أيضاً إلى تحصيل ضريبة الدخل بصورة أكثر إحكاماً وفعاليةً.

زيادة الإيرادات المُحققة من ضرائب الدخل وضرائب الشركات ضرائب الأملاك المبنيّة الضرائب على رأس المال ضريبة التركات ضريبة الثروة والضريبة على القيمة المضافة.

وتناقش السطور التالية كيفية زيادة الإيرادات المُحققة من ضرائب الدخل وضرائب الشركات.

 

نحو ضرائب أكثر عدالة وفعالية

  1. فرض الضريبة الموحدة على الدخل: من أجل تطبيق مبدأ فرض الضرائب التصاعدية، من المهم الانتقال من النظام المُجزَّأ الحالي الذي يعالج الأنواع المختلفة من الدخول معالجة منفصلة (ما يسمى بنظام الضرائب النوعية)، إلى تطبيق نظام "الضريبة الموحدة على الدخل"، الذي يُدرج جميع إيرادات الأفراد الخاضعة للضريبة في وعاء ضريبي موحد بدءاً من الرواتب، والأجور، ومروراً بالأرباح الرأسمالية، وأرباح الأسهم، والفوائد، والمداخيل المتأتية من إيرادات الأملاك المبنية والإيرادات التجارية والمهنية، ووصولا إلى الأرباح الرأسمالية التي يجنيها سكان البلاد من خارج اليمن ينطوي هذا الإصلاح على جهود طموحة في التنسيق الضريبي، تُبذل عبر إعادة تجميع الأحكام الضريبية المتفاوتة ووضعها في قانون عام موحدّ للضرائب.

في إطار تلك الخطة، يرمي مقترحنا إلى زيادة معدل الضريبة الهامشية على كامل الإيرادات حتى 30 % على الأقل على أصحاب الدخل الأكثر ارتفاعا. وتظل مثل هذه المعدلات أقل من المعدلات الدولية، ولا ينبغي أن تثبط اليمنيين ذوي المهارات العالية عن البقاء باليمن والعمل فيه.

  1. ضرائب الشركات: أن إنخفاض معدلات ضرائب الشركات عالمياً، والتي بلغت حوالي 20% نظرا للمنافسة الضريبية، ساهم في تآكل القاعدة الضريبية للشركات والاتجاه المتزايد لعدم المساواة في الدخل في العديد من مناطق العالم، هناك جهد  عالمي مستمر لوضع حد أدنى لضريبة الشركات في حدود 20-25٪، ولكن نظراً إلى أن الهدف الرئيسي في المدى المتوسط باليمن سيكون تعزيز استثمارات القطاع الخاص، فينبغي أن يكون توقيت زيادة الضرائب على الشركات والأعمال التجارية مدروس بعناية في نفس الوقت، هناك حاجةً في بداية الأمر إلى وجود تشريع ضريبي ملائم يعزز أنواعاً خاصة من الاستثمارات، علماً أنه يقتضي أن تدار هذه الأحكام من أجل تحسين الأداء، لا أن تكون مدفوعة بالسعي وراء تحقيق الريع.
  2. ضرائب الأملاك المبنيّة: تعد معدلات الضرائب على إيرادات الأملاك المبنية (سيما الإيجارات) تصاعدية، ولكنها دون المعدلات الضريبية المطبقة على الرواتب والأجور. ريثما تدمج إيرادات الرواتب والأجور بسائر الإيرادات على الدخل من خلال نظام الضريبة الموحدة على الدخل، ثمة حاجة إلى إحداث تقارب بين هذه المعدلات الضريبية وفي هذا السياق، نقترح أيضاً إخضاع الأملاك العينية الخالية والشاغرة للضريبة من أجل التحفيز على استخدامها في أنشطة إنتاجية، مثلما يُتبَّع في بلدان عديدة.
  3. الضرائب على رأس المال: في حالة تأجيل الانتقال إلى نظام الضريبة الموحدة على الدخل، نقترح في غضون ذلك زيادة المعدلات الضريبية على مختلِف أجزاء الدخل، ولا سيما تلك التي تفرض ضريبة على عائدات رأس المال، وهكذا تصبح متجانسة مع فرض الضرائب على الرواتب والأجور، على صعيد كل من المعدلات والتصاعدية.

ونقترح على وجه الخصوص الانتقال بسرعة إلى فرض ضرائب على إيجار الممتلكات والفوائد وإيرادات توزيع الأرباح بمستويات مماثلة لما يُدفع من دخل الأجراء. فقد يساعد هذا -مع مرور الوقت- على رد الاعتبار إلى قيمة العمل الجاد مقارنةً بإيرادات الإيجار.

  1. ضريبة التركات/رسوم الانتقال: يلزم إجراء مراجعة شاملة على قانون رسوم الانتقال (للإرث والهبات والأوقاف)، لمعالجة الثغرات الهائلة التي تسمح للأفراد عبر آليات مختلفة بدفع معدلات فعلية منخفضة.
  2. الضريبة على القيمة المضافة: مقارنة مع باقي دول العالم، لا تُعتبر نسبة الضريبة على القيمة المضافة مرتفعة للغاية باليمن غير أن نسبة الإيرادات الضريبية المتأتية من الضرائب التنازلية غير المباشرة تعد كبيرة. بيد أنه لن يكون هناك من مجال لزيادة معدل الضريبة على القيمة المضافة في السنوات القادمة بصورة معتدلة وموضوعية، إلا في سياق إعادة تنظيم شاملة للنظام الضريبي بطرقٍ تجعله أكثر تصاعدية، وبهدف جمع حوالي 20% من الناتج المحلي الإجمالي من خلال الإيرادات الضريبية.

 

*خبير اقتصادي.

http://alomana.net/details.php?id=192840