2020-01-12 20:17:23
مشروع سفلتة طريق جبل حالمين.. بين صمود المواطنين ووعود الحكومة

تتميز مديرية حالمين، إحدى مديريات محافظة لحج، بكثافة بشرية، وتتربع على جبال صلبة وسلاسل جبلية مترابطة، وتتناثر قرى ومناطق حالمين فوق قمم وسفوح الجبال.

وتفتقر هذه المديرية إلى الكثير من المشاريع الهامة والضرورية لتيسير حياة المواطنين، يتذكر الناس آخر وجود للدولة عام 1998م حين قدم رئيس الوزراء آنذاك الإرياني، وافتتح حجر الأساس لمشروع الطريق الذي يربط بين قرى (خلقه الرباط الغرب العمري النسري بلاد القادري الفرع شأفان لشراف وادي الحرف درات اسفل وادي حالمين رشده ماره اسفل ماره والظلم وقرية لحكه)، استبشر الناس خيرًا حينها وشعروا بأن معاناة سنين ستنجزها الحكومة خلال أشهر، ولكن أحلامهم سرعان ما تبخرت وتم وأدها قبل أن ترى النور، فلم ينجز المقاول سوى مسافة قليلة حتى تعثّر المشروع، بذل أبناء حالمين جهودًا حثيثة من أجل استمرار العمل إلا أن مشاكل البلد وقفت عائقًا أمام أحلام الحالمين ورجالها لكنهم ظلوا حالمين بواقع أفضل، ولَم يسمحوا لسنين المعاناة أن تجرف تطلعاتهم وآمالهم بغدٍ أفضل، كان آلاف المواطنين والمرضى وكبار السن يحتاجون قرابة أربع ساعات من قرى العمري والنسري والرباط عبر حبيل جبر وصولا إلى مركز المديرية أو الحبيلين، وتلك الجبال القاسية ولّدت الكثير من العزيمة والصمود في قلوب الساكنين أقوى من كل العراقيل والعقبات التي كانت تعبد طريقهم، حتى أصبحت روتينًا يوميًا اعتادوا عليه وتعايشوا معه سنين طويلة، ومع ارتفاع أسعار المشتقات النفطية ودخول البلاد بأكملها في أتون فوضى خلاقة وحرب أهلكت الجميع ظلت فكرة الطريق حلمًا صعب المنال، وخصوصا وأن الحلم قد طال انتظاره كثيرًا والدولة التي كان الجميع يعولون عليها بأنها تعينهم وتساعدهم تحتاج بنفسها إلى المساعدة والعون وخصوصا بعد أن تحوّلت إلى أداة بيد جماعة متخلفة قدمت من كهوف مران.

 

معاناة وإبداع

"الأمناء" رافقت وكيل وزارة الأشغال العامة والطرق لقطاع الطرق والجسور المهندس وليد ردمان، ونائب رئيس صندوق صيانة الطرق والجسور في الجمهورية المهندس سامي باهرمز من العاصمة عدن إلى مديرية حالمين، وبحثت مع الناس أسباب تعثر المشروع وكذلك إنجازاتهم و مقدار الإنجاز الذي حققوه بفضل الله ثم بفضل صمودهم وتكاتفهم خلال السنوات الماضية. وفِي مدرسة الدهالكة قابلنا مسؤول اللجنة الأهلية الأستاذ عبدالرؤوف النسري والذي شرح لصحيفة "الأمناء" حول مشروع طريق بالقول: "نتذكر تدشين حجر أساس مشروع طريق جبل حالمين في العام 1998م من قبل رئيس الوزراء حينها معمر الإرياني، استبشرنا آنذاك بانطلاق العمل إلا أن المقاول تعثر وتوقف المشروع، ذهبنا عدة مرات إلى صنعاء لكن دون فائدة، ظَل المشروع حلمًا يراود الجميع، لكننا لم نكن نمتلك الإمكانيات ولا الآليات المطلوبة للعمل، ظَل الحلم سنينًا يسكننا لكنه مدفون في نحور الرجال، فكلما اشتدت المعاناة اشتدت حاجتنا إليه، وفِي العام 2014م انعدمت المشتقات النفطية وكان السفر من قرى حالمين إلى مركز المدينة يحتاج أكثر من 4 ساعات وخصوصا قرى (الجبل - النسري - العمري - الرباط - اللكمة - قرض) عبر حبيل جبر - الحبيلين وصولاً إلى حالمين".

واسترسل: "المعاناة حينها ولّدت روح العمل عند الناس، حيث بدأ الناس بالعمل وخروج مبادرات تطوعية من أجل إكمال العمل وشق طريق الجبل، المغتربون أيضا كان لهم دور عملاق وساهموا بكل قوة وتبرعوا بملايين الريالات، وشكلوا لجنة برئاسة رجل الخير الشيخ نبيل عبيد حسن (بن جبوره) وعملنا حملة تبرعات داخل الوطن وخارجه كلٌ قدر استطاعته وكان تفاعل الناس إيجابيًا بشكل رائع والدعم حينها فاق توقعاتنا، ورغم ظروف الناس الصعبة إلا أنهم تفاعلوا وقدموا الكثير من أجل نجاح العمل".

واختتم النسري حديثه: "في نوفمبر 2014م بدأنا العمل بالتعاقد مع مقاول بشق الطريق بمبلغ عشرة مليون لكل كيلو متر، اشتغل 3 كيلو كمرحلة أولى، وبعد أن غادر المقاول وسلم المشروع، تم التعاقد مع بوكلين بالأجر اليومي وآلات عمل وعمل مبادرات تطوعية شارك فيها الجميع، استمر العمل قرابة أربعة أشهر متواصلة وعند إعلان الحرب الحوثية على الجنوب توقفنا في شهر مارس من العام 2015م، لمدة خمسة أشهر ثم عدنا مجددا بعد أن انتصرت عدن عسكريا لنكمل انتصاراتنا الخدماتية، وعاد الجميع نحو العمل بمعنويات عالية وعزيمة قوية وتم طرح مقترح بأن نشتري بوكلين خاص بأبناء حالمين ويتم العمل فيه وشق الطريق وإصلاحها بدلا من دفع ملايين في ايجار معدات وآلات المقاول. وجدت الفكرة قبولًا واسعًا وتم شراء بوكلين بكلفة إجمالية بلغت أكثر من 300 ألف ريال سعودي، فيما بلغت تكلفة مشروع شق الطريق أكثر من 70 مليون ريال تم جمعها من الأهالي ورجال الخير".

 

شراء بوكلين

مثّل شراء البوكلين قصة نجاح تضاف إلى رصيد منطقة فقيرة كـ "حالمين"، ورصيد أبنائها العظماء الذين رسموا بتكاتفهم وتعاونهم أروع مثال للنجاح، فكل من زار المنطقة انتابه شعور الدهشة لما تحقق من إنجازات عظيمة عجزت عن إنجازها الحكومة، بل تعثرت لأكثر من عقدين من الزمن. تم تحديد سائق للعمل على البوكلين الذي تم شحنه من المملكة العربية السعودية ومن خلاله تم إنجاز الكثير من الأعمال وتذليل الكثير من المعوقات، التي بسببها حُرم المواطنون سنين طويلة من الخدمات الضرورية، فبعض القرى كانت لا تصل إليها السيارات، ويتم نقل المرضى وكبار السن فوق ألواح خشبية تشبه النعش، إلا أن الطريق التي تم تشييدها رغم صعوبتها كانت حلمًا بالنسبة لهم، ورغم ابتهاج الناس وسعادتهم بإنجاز الطريق إلا أنهم وجدوا صعوبات كبيرة، حيث تم شق طريق لا تتسع إلا لسيارة واحدة، فوجود أكثر من سيارة بعكس الاتجاه يشكل مشكلة كبيرة ومعضلة أمام السائقين، مما يضطر أحدهم العودة عدة أمتار لكي تتمكن السيارات من المرور، وهذا ما حصل في الزيارة التي شددنا رحالنا فيها صوب حالمين، حيث بقينا عالقين بسبب خلل في سيارة متجهة صوب المدينة ونحن في طريقنا إلى قرى حالمين الداخلية وتحديدًا بالقرب من قرية عراعر.

 

وعود إيجابية

الأستاذ عبدالرقيب العمري، مدير عام مطار عدن، وأحد وجاهات المنطقة، استغل علاقاته الاجتماعية الجيدة، ومعرفته الواسعة بعدد من المسؤولين في وزارة الأشغال العامة وفِي الصناديق الدولية، ونسّق مع عدة أطراف من أجل إعادة إنجاز المشروع، حيث تحدث لـ"الأمناء" حول الصعوبات التي عانى منها المواطنون سنين طويلة في سلسة من الجبال الصلبة وخصوصا المرضى والعاجزين.. وأضاف أنه حاول تحريك ملف المشروع مع الجهات ذات الاختصاص ووجد تجاوبًا إيجابيًا من قبل عدد من الجهات بينها وزارة الأشغال العامة والطرق وصندوق الأشغال العامة وتم إنزالهم إلى منطقة حالمين لكي يتعرفوا عن المنطقة ومعاناة الناس فيها، والكثافة السكانية التي ازدادت بشكل ملحوظ، والموافقة على إنزال فرق هندسية لمسح وإعداد دراسة كاملة للمشروع ورفعها إلى جهات الاختصاص.

وأشار العمري إلى أن طريق جبل حالمين حصل على الأولوية وتم الموافقة عليه من ضمن ستة مشاريع على مستوى الجمهورية، وفِي الأيام القادمة بإذن الله ستنزل الفرق الهندسية وثم سيتم البدء في عمل المسوحات والتصاميم الهندسية بأجهزة القياس والمساحة الـUbs، وحث الجميع على المحافظة على روح التعاون والعمل وتذليل كافة الصعوبات أمام الفرق الفنية والهندسية والعاملين والمساهمة الفاعلة في إنجاز المشروع الذي بات حلمًا أمام الجميع.

 

تكاتف وتعاون

تكاتف الناس في قرى حالمين أثار الدهشة والغرابة، خصوصا أنهم عملوا كـ خلية نحل وعبّدوا الطرق من وسط سلاسل جبلية صلبة وشديدة الوعورة، كانت معنوياتهم شامخة كـ شموخ جبالهم، فالجميع ساهم في الطريق، المغتربون ساهموا بأموالهم، والذين في الداخل شاركوا بالدعم والعمل، حتى أصبحت طريقهم سالكة وأحلامهم قريبة المنال، فمن حق الناس أن يعيشوا براحة واستقرار، ومن حق حالمين أن تُعبّد طرقها ويرتاح أهلها، وهذا ما أكده وكيل وزارة الأشغال العامة المهندس وليد ردمان، حيث قال في تصريح لصحيفة "الأمناء" بأن "زيارتهم جاءت تلبية لطلب المواطنين من أجل التعرف على معاناة المواطنين ولنرى مدى وعورة الطريق وأيضاً الكثافة السكانية في المنطقة، وللأمانة تفاجأنا بالكثافة السكانية ولكن أكثر ما شدنا في هذه المنطقة التكاتف الاجتماعي في المنطقة وقيام المواطنين بالعمل بروح الفريق الواحد وتنفيذ مشاريع عملاقة، منها شق الطرق وإنشاء مبادرات مجتمعية وشراء بوكلين، وكان لهم دور كبير في فتح الطرقات وشق الجبال الصلبة، شكرناهم على إنجازاتهم العظيمة التي تستحق كل الشكر والتقدير ووعدناهم بأننا سنبذل كل الجهد لنكمل ما بدؤوه وإن شاء الله سننزل المشروع وسوف نوصل الإسفلت إلى كل مناطق حالمين".

وشكر المهندس ردمان أبناء حالمين على كرم الضيافة وحسن الاستقبال وأثنى على جهودهم وعزيمتهم العالية، مشيرا بأنهم نموذج للكفاح والبناء، وطمأنهم في الوقت نفسه بأن مشروع شق طرق جبل حالمين من ضمن ستة مشاريع في الجمهورية سوف يتم البدء فيها خلال هذا العام بإذن الله، مؤكدا بأنه بعد الزيارة أصبح أكثر إصرارا على إنجاز العمل بسبب الكثافة السكانية وتعاون الناس وتكاتفهم وهذا شيء يبعث السعادة ويعين الدولة على اعتماد مشاريع لمثل هذه المناطق التي تساهم بشكل إيجابي في بناء وتنمية بلدانها.

http://alomana.net/details.php?id=106064