بعد أن استطاعت قوى في الشرعية تجميد وتعطيل اتفاق الرياض وإخراجه عن الخطة المزمنة لتنفيذه خدمة لمصالح قوى إقليمية وأدواتها المحلية، عزم التحالف العربي على توقيع مصفوفة جديدة للتنفيذ في إطار 20 يوما، ما أعاد الحراك والنقاش حول الاتفاق وخرجت تصريحات من الشرعية معارضة لتنفيذه فما، سبب هذه المعارضة؟ وما ارتباطاتها الإقليمية؟ وماهي مكاسب الطرفين من تنفيذ اتفاق الرياض وخسائرهما؟ وماهي مخاوف الجنوبيين؟ وهل هي واقعية؟
التوقيت.. ارتباطات إقليمية
في الإقليم الذي نقع فيه هناك ثلاث مشاريع إقليمية قومية تتصارع :المشروع العربي والمشروع الفارسي والمشروع التركي، ويسعى المشروعان الفارسي والتركي للسيطرة على البلدات العربية سواء بالتدخل المباشر أو عبر الأدوات من الإسلام السياسي مثل جماعة الإخوان في خدمة المشروع التركي أو الشيعي مثل الحوثيين والحشد الشيعي وحزب الله في خدمة المشروع الفارسي، بينما يناضل المشروع العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات في التصدي لأطماع المشروعين الآخرين.
في الفترة القليلة الماضية مد المشروع التركي نفوذه إلى ليبيا عبر الحكومة الإخوانية في طرابلس وقام بإرسال قوات عسكرية، كما حاول التمدد العسكري في اليمن عبر دعوة القيادي الإخواني حمود المخلافي للمقاتلين لترك الساحات في الحد الجنوبي السعودي وإنشاء معسكر لهم في يفرس بتعز، وتحركت جماعة الإخوان في اليمن خدمة للمشروع التركي فهاجمت قوات من مأرب شبوة ثم اتجهت لاحتلال العاصمة عدن، وبعد إفشال التحالف لهذه التحركات لجأت الجماعة إلى صنع نموذج لاتفاقية الأتراك مع الحكومة الإخوانية الليبية فأرسلت وزير النقل الجبواني المعارض لاتفاق الرياض إلى تركيا وأعلن من هناك تسليم تركيا كل الموانئ والمطارات اليمنية عبر اتفاقية تشغيل.
وفي المشروع الفارسي وعقب تصفية القائد الإيراني الذي يدير الأذرع الإيرانية في الوطن العربي ومنها الحوثي "قاسم سليماني" أعلنت أذرع إيران على لسان ذراعها في لبنان حسن نصر الله أن الأذرع سترد، وذكر حرفيا أنه في اليمن (سيكون الرد عبر استكمال سيطرة الحوثيين على كل تراب اليمن) وهو أمر تحدث عنه عبدالملك الحوثي أيضا في كلمة يوم الشهيد خُصص أغلبها للحديث عن قاسم سليماني والرد.
هذه التحركات للمشروعين الفارسي والتركي جعلت التحالف العربي يصر على تنفيذ اتفاق الرياض للتعجيل بتوحيد الجبهة الداخلية ضد الحوثي والتمدد الإيراني وضد التمدد التركي عبر المشروع الإخواني.
مكاسب وخسائر الطرفين من الاتفاق
يمثل أي اتفاق أو اتفاقية صلح بين طرفين بنودًا فيها من التنازلات المتبادلة والمكاسب كأمر بديهي لأي اتفاق في التاريخ، فما هي مكاسب وخسائر طرفي اتفاق الرياض؟
مكاسب الانتقالي
- تغيير كل الوزراء الذين تعتمد عليهم قوى الشمال لتنفيذ أجنداتها.
- تغيير كل المحافظين الذين تعتمد عليهم الشرعية لتنفيذ أجنداتها.
- دخول محافظين يتبعون الانتقالي والجنوب ودخول وزراء يتبعون الانتقالي والجنوب.
- نهاية حقبة كون قوى الشمال هي المتحكمة بقرارات التعيين ودخول الانتقالي كطرف في أي تعيين مستقبلا.
- نهاية وضع كانت فيه قوى الشمال هي (الشرعية) والمعترف بها دوليًا والجنوب هو المتمرد وغير المعترف به واستطاعة الجنوبيين التعامل مع العالم بحرية وإيجاد مصادر تمويل داخلية من ثروات الجنوب.
- خروج القوات الشمالية من الجنوب وعودة النخب للسيطرة في المهرة وحضرموت وشبوة والحزام في سقطرى وأبين ولحج والضالع أمنيا.
- دخول الانتقالي ممثلًا وحيدًا للجنوب ضمن التسوية الشاملة متى وجدت ونهاية عهد تزوير إرادة الجنوب عبر مكونات كرتونية من قبل قوى الشمال.
خسائر الانتقالي
- السماح للحكومة التي تمثل النصف بالعودة والعمل من عدن.
- تأجيل أي نظر في موضوع الاستقلال حتى نهاية المعركة في الشمال أو تسوية شاملة.
مكاسب الشرعية
- ضمان عمل الحكومة من العاصمة عدن لحين التسوية أو النصر في الشمال.
- ضمان عدم استقلال الجنوب طالما الحرب مستمرة وليس هناك نصر في الشمال أو تسوية.
خسائر الشرعية
- نهاية عهد احتكار الشرعية وبقاء الجنوب بعيدًا عن الاعتراف وحسب مبادئ ثورة الجنوب ونهاية زمن تزوير الإرادة.
- خسارة كل الوزراء الممثلين لقوى الشمال والمعادين للجنوب والمغضوب عليهم جنوبًا.
- خسارة كل المحافظين الممثلين لقوى الشمال والمعادين للجنوب والمغضوب عليهم جنوبًا.
- خسارة الوضع العسكري للشمال في الجنوب ورحيل القوات.
- خسارة احتكار الوظيفة العامة واستغلال المناصب لمن هم معادون للجنوب حيث لا تعيين دون قبول الانتقالي.
- خسارة احتكار التفاوض في التسوية الشاملة عن الجنوب والشمال ودخول الانتقالي كممثل للجنوب.
هل هو واقعي التخوف الجنوبي؟
يتخوف بعض الجنوبيين من اتفاق الرياض، لاسيما فيما يخص وجود شخصيات غير ذات ثقة، وحتى فيما يخص بعض توجهات المملكة وكذلك فيما يخص تسليم السلاح الثقيل للقوات الجنوبية، وهنا يمكن طرح الوقائع لمعرفة هل هذه التخوفات واقعية؟
البعض يقول خائفين من بن دغر ومن توجه المملكة، وهنا يمكن القول أنه في مثل هذه الأوضاع ليس هناك ضمان، ولا تعتمد هذه الأوضاع على حسن النيات أو الضمانات الشخصية، بل على ضمان إجراءاتك أنت، وهنا يمكن للقيادة الجنوبية أن تقول: لسنا ضامنين لأحد، نحن ضامنين (أنفسنا).
كذلك عندما أرادوا كسر لقموش نهائيًا أعلن المجلس تعليق الاتفاق ووصلت قياداته الأمنية إلى لقموش.
لم يستطع أحد عمل شيء وفهم الكل أنه ليس لأحد القدرة على التسويف إما ينفذ كما اتفق عليه أو سيخسر الكل. الآن نفس الضمانات هي التي تضمن بن دغر أو غيره فهناك لجنة رباعية فيها المملكة والإمارات والانتقالي والشرعية وليس هناك قرار انفرادي.
وسينتهي وضع آخر سلاح لنا مع نهاية وضع آخر جندي شمالي في المهرة، حيث تتزامن تسوية وضع الضالع مع تسوية وضع الوادي والمهرة للقوات الشمالية، وإذا حصل تلاعب قواتنا الأمنية التي معها سلاح متوسط وخفيف، وهي الأغلب، والتي لن تسلم أسلحتها والتي ستمتد في المحافظات، سيضاف لها سلاحنا الثقيل في الضالع ولن يستطيع أحد تمرير أي تلاعب.
إذن فليأتوا ببن دغر أو غيره من الشخصيات غير الجديرة بالثقة، فالجنوب له لجنة مقابلة فيها شخصيات ثقة وهو كذلك يملك ضمانات ذاتية على إيقاف أي تلاعب وهذه الأمور لا تأخذ اعتباطيا.
وفي جانب التخوف من موضوع تسليم السلاح الثقيل يمكن إيراد التالي:
والأهم لأي مراقب من كل حديث التفاصيل هذه التي راعت القيادة كل شيء فيها ولا خوف، الأهم هو أن الاتفاق كله لصالح الجنوب على كل المستويات والشرعية تعرف ذلك وهي رفضت الحوار ثم أجبرت ثم رفضت التنفيذ وها هي تجبر لأنها تعرف أنه عهد جديد للجنوب ولكنه أمر التحالف والتحالف توجهه معروف ويعرف من معه ومن مع تركيا وقطر.
ردود أفعال معبرة
من ردود الأفعال على الاتفاق يمكن أن نستشف ماذا يعني هذا الاتفاق، فقد جاءت ردود الأفعال من الانتقالي والشخصيات المحسوبة على التحالف مستبشرة ومؤيدة، بينما أتت ردود أفعال شخصيات في الشرعية محسوبة على أطراف إقليمية معادية للتحالف العربي ضد الاتفاق وتنفيذه.
المجلس الانتقالي رحب بالاتفاق وقال: "تم التوافق على عودة قوات بن معيلي إلى مأرب قبل أي إجراء والحزام الأمني والإسناد والدعم يؤمّن محافظات الجنوب واتفقنا مع الرئيس هادي أن تتم الإجراءات للانسحابات وتسليم الأسلحة وتغيير المحافظ في 18 يومًا".
من جانبه قال الدكتور معين عبدالملك، رئيس الوزراء اليمني والمؤيد من التحالف العربي، أن اتفاق الرياض يستوعب المصالح المشروعة للقوى السياسية، في إشارة الى القوى الجنوبية، مضيفا أن حكومته تنطلق من نوايا حسنة مع المجلس الانتقالي لتنفيذ اتفاق الرياض.
ومن جانب التحالف، قال سفير المملكة في اليمن محمد آل جابر : "تنفيذ اتفاق الرياض سيبدأ السبت (أمس) بانسحاب القوات من أبين وشبوة وعدن واستلام قوات الأمن تأمين هذه المحافظات".
بينما قال وزير النقل صالح الجبواني المحسوب على تركيا وجماعة الإخوان في لقاء مع قناة بلقيس: "اتفاق الرياض هو تصفية نقاط القوة للشرعية ومواصلة المعركة العسكرية ضدها بأسلوب سياسي". واتهم التحالف بهندسة الاتفاق من أجل المجلس الانتقالي.
كما قال عضو مكون يرأسه التاجر أحمد العيسي :"إن اتفاق لرياض لصالح الانتقالي وطوق نجاه للمجلس قدمته دول التحالف (السعودية والإمارات)".
وجاء في منشور لعبدالكريم السعدي عضو الائتلاف الجنوبي الذي يتبنى مشروع الشمال الاتحادي ويرفض مشروع استقلال شعب الجنوب: "إن مقاربات الرياض النوفمبرية في باطنها لم تكن سوى طوق نجاة جديد (مدفوع الثمن) ترميه تلك الأطراف لإخراج الانتقالي من مأزق جديد تم إيقاعه فيه..!".
وأضاف السعدي متهما دول التحالف بعقد صفقة خفية مع المجلس: "عندما يُسلٌم مكون الانتقالي أسلحة قواته وينسحب من المناطق التي دمرها وذبح أبناء الجنوب ليدخلها عنوة بمساعدة طرف إقليمي وكل ذلك في مقابل (عظمة) المشاركة في أي حوار أممي قادم من (بوابة الشرعية) فإن هذه الصفقة الهزيلة تؤكد أن ذلك التسليم والاستسلام لم يكن سوى ثمن متفق عليه تعمل بعض الأطراف على تحصيله ويراد له أن يكون خفيا..!".
ويحاول أحمد العيسي عبر أمواله وأدوات جنوبية أن يخدم مشروع الشمال بصنع مكونات جنوبية ومشروعها المعلن ضد قضية الجنوب غير أن العالم ودول التحالف بات يتعامل فقط مع المجلس الانتقالي كممثل لقضية الجنوب بما فيها ضمن التسوية النهائية وهو ما جلب غضب هذه الأدوات للتصريح ضد المجلس ودول التحالف وخصوصًا الأدوات المقيمة في الخارج على حساب العيسي.
وامتلأت صفحات نشطاء وأعضاء في جماعة الإخوان بالشتائم للتحالف والحديث عن كون الاتفاق انتصارًا للانتقالي والجنوب لا سيما بعد استعدادات النخبة الشبوانية للانتشار في شبوة والحزام الأمني للانتشار في أبين وإصرار التحالف على انسحاب قوات الإخوان من شبوة وأبين ما يفقد الجماعة مصالحهم ومصالح رعاتهم الإقليميين.