2019-12-13 15:15:21
الردفاني.. الشهيد الذي أصيب ثلاث مرات وبنى أقوى كتيبة أقضّت مضاجع المليشيات الحوثية

 الشهداء الأبطال هم أعلى مكانة وطنية، فهم الذين افتدوا الوطن بأرواحهم ودمائهم, منهم شباب في مقتبل العمر آمنوا بقضية وطنهم فافتدوه بأرواحهم، لم يفكروا بمستقبلهم ولا بحياتهم, لأن حرية الوطن هي الأغلى، فكانوا النور الذي أضاء طريق النصر لتعيش الأجيال القادمة بحرية وكرامة، وكان علينا لزاماً أن نتعلم من مواقفهم وتضحياتهم ونردّ لهم حيال ذلك ولو ببضعة أحرف.

"ردفــان" لطالما كانت ردفان عنواناً للتضحيات والشموخ وخاصرة الجنوب المتماسكة, ردفان الاسم الذي نقش بدماء الأبطال ليخلد في ذاكرة التاريخ الماضي والحاضر.

تمر علينا اليوم الــ 12 من ديسمبر 2019م الذكرى الأولى لاستشهاد القائد الفذ المناضل البطل/ عبود سالم الردفاني الذي كان عنواناً للشجاعة والإقدام وقائداً شهدت له ميادين البطولة والشرف بأعظم الملاحم والتضحيات والمواقف..

 

مسيرة حياته

الشهيد القائد/ عبود سالم الردفاني مواليد العام (1984م)  في منطقة خيران مديرية حبيل جبر ردفان م/لحج. الذئب الأحمر عبود ينتمي لقبيلة الحجيلي الذي كان شيخها محمد ثابت بن معنس, الرجل لم يخضع للإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس, وينتسب (عبود) إلى أسرة ذات باع طويل في النضال، قدمت الكثير من التضحيات ماضياً وحاضراً. فعمه ثابت حسين، وخاله هيثم عبيد الجهوري استشهدا في العبر. وخاله مثنى عبيد الجهوري استشهد في حرب صيف 94, وكذا فضل راجح الجهوري استشهد في العند في 94، وعلي راجح الجهوري استشهد في جبهة ردفان العند في حرب العام 2015م،  وأيضاً عمه فاضل محمد بن منصر أحد قيادات جبهة كنظارة في مشاله وجده هو المرحوم عبيد حازم الجهوري الذي سمعت عنه الحجر قبل البشر إذ لقب بالشنفرة.

 

نضال وتضحيات حافلة

خاض الشهيد القائد عبود الردفاني الكثير من المعارك ضد جنود الاحتلال ابتداءً من نقطة الربوة وجبال الأحمرين وصفأ حليه ودوره المحوري في جبهة ردفان العند، وقد أصيب ثلاث مرات خلال الحرب. وكان القائد عبود أحد أبرز القيادات التي اقتحمت المنصورة لتطهيرها من التنظيمات الإرهابية وكان يسيطر على خط التسعين بالكامل والذي كان أخطر منطقة أمنية في عدن أذ سُمي بخط الموت.

كما أن قواته اضطلعت بتأمين نقطة الرباط ونقطة العلم واستشهد من مقاتليه الكثير، ومن أبرزهم أصدقائه ورفاق دربه الشهداء: رياض بن هاشم، وأياد بن سهيل.  وكان عبود  الردفاني أيضاً أحد القيادة المشاركة في عملية تطهير الحوطة لحج وقام بتأمين نقطة الحسيني. كما أنه كان رجل الاقتحام في الصولبان الذي احتلته عناصر القاعدة صبيحة عيد الفطر، حيث أصيب في تلك المعركة بجروح عدة، وعمل أيضاً على تأمين شرطة دار سعد الجديدة وتأمين مستشفى 22 مايو . وكان له دور محوري  في محاربة العناصر الخارجة عن القانون وإنهاء حالة الاقتتال بين قبائل تلب في يافع، وكان ضمن المشاركين في عملية السيطرة على المخا ونجا من عدة انفجارات بعبوات ناسفة ومن معارك الالتحام المباشر مع العدو, الأمر الذي لم يمنعه من المضي ناحية الأهداف الوطنية.

 

حلم بناء جيش جنوبي

القائد عبود سالم الردفاني كان يطمح ببناء جيش جنوبي حقيقي, الأمر الذي دفع به للذهاب إلى المخا، حيث تولى مهمة بناء القوات الجنوبية هناك, فمنذ وصوله إلى هناك انطلقت مهام تطوير القوات العسكرية هناك وكان قائد أول كتيبة عسكرية شكلت نواة اللواء 21 مشاه واللواء 22 مشاه.

 

كان يطمح ببناء جيش جنوبي حقيقي وأصيب ثلاث مرات خلال الحرب

ما أن تم تشكيل اللواء 21 ووضعت مهمة تحرير الجبلية على الطاولة إلا وانبرى القائد عبود قائلاً: "أنا لها", وانطلق حاملاً روحه في يده, وبنى أقوى كتيبة عسكرية أقضت مضاجع المليشيات الحوثية, لكن إرادة الله شاءت أن تتحقق أمنية القائل ونال الشهادة صبيحة يوم الـ 12 من ديسمبر 2018م بانفجار عبوة ناسفة زرعت خصيصاً لاستهدافه, ومن حينها والغصة تملأ قلوب كل من عرف الشهيد أو سمع عنه.

لن توفي الكلمات مآثر شهيدنا وبطولاته، ولن نوفيه حقه، فما قدمه للوطن أنبل وأعظم، فقد عاش كريماً متسامحاً ومسانداً لكل أبناء المجتمع في كل الجوانب، مجسدًا الدور الحقيقي للمناضل الصلب والقائد الحكيم الذي أيقن بدوره المجتمعي والإنساني،  وكان يرى الوطن في مصالح الشعب وحقوقه، فكان شامخاً على جبين الوطن رافعاً راية الحق متجاوزاً التحديات والمخاطر وصنع من الشدائد مدرسة خالدة  نستلهم منها الإيمان الصادق بقضية الوطن والإيثار والتحدي والصمود في سبيل تحقيق الغايات العظيمة والأهداف النبيلة.   

 

قالوا عن الشهيد

يقول الكاتب والإعلامي فكري بن سهيل، واصفاًّ الشهيد قائلاً: "في زمن يتصارع  فيه الناس على مكاسب ذاتية ومغانم زائلة  تجرّد شهيدنا من حب الذات والحرص على الحياة وأبى  إلا أن يعيش  حراً عزيزاً  يفترش الجبهات ويلتحف الخنادق ويتنفس البارود متنقلاً بين جبهات الكفاح التي أكسبها كفة راجحة في الحسم والانتصار وتثبيت الأمن والاستقرار".

ويضيف: "سطر شهدينا البطل سجلات خالدة في أمجاد الوطن، وكتب  بدمه الطاهر تاريخا عظيما من البذل والعطاء فنال بهذه الحياة شرف الشهادة ومنح الوطن المجد والعز وألهمنا معاني التضحية والعزم لنجعلها منهجاً لطريقنا نحو التحرير والاستقلال".     

 

ويتحدث قائد اللواء 21 مشاه أيوب عبدالكريم عن الشهيد قائلا: "لقد سطر الشهيد عبود أروع معاني البطولات هو وأفراده في الكتيبة الأولى في جبهة الساحل الغربي - منطقة الجبلية - حيث لقنوا العدو هناك شر الهزائم". ويضيف قائلا: "من هذا المنطلق أحث كافة المقاتلين بالوفاء للشهيد والذي يتمثل في السير على الطريق الذي رسمه لنا بدمه الطاهر وإن من واجبنا أن نخلد سيرته العطرة ونعرّف أبناء الوطن برجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه وكانوا أهل حق وصدق لم يخذلوا الوطن ولم يبخلوا عليه بأرواحهم ودمائهم وأن سيرة  شهيدنا بمثابة رسالة عظيمة يرويها عنه  كل من عايشه كوفاء لمن وفى للوطن بالعهد".

من جهته يتحدث الأستاذ صلاح عبدالله العلياني، أحد أبناء ردفان منطقة الكرهيه، وغصة حزن تعانق قلمه قائلا: "لقد توقفت الكلمات حقـًّا؛ لأنني رأيتُ أحرفي تدور في فلك ضيّق الأفق  والرؤية معًا، فها نحن نقف على أعتاب العام الأول لرحيل هذا القائد السامق جسديّاً وذكراه ملازمة لمن شارك معه في ساحة الوغى، وهل يخفى ذلك الشامخ عن كل من عرفه عن قرب وكثب، أو من سمع عنه عبر ذكراه العطر في مقارعة فلول الأعداء متنقلاً من موقع لآخر ومن مدينة لأخرى من مدن الجنوب وأراضيه المترامية الأطراف".

ويكمل قائلاً: "نودع هذه الهامة والعيون ترقرق بالدمع والقلوب مكلومة والذوات مفعمة بالأسى والحزن العميقين، لرحيله ورحيل أمثاله كالقائد مجدي القطيبي وهزاع سحداد، فقد خسرت ألوية اللواء الركن هيثم قاسم طاهر خيرة الرجال الميامين الذين يذودون على العرض والأرض والدين، مسيطرين أعظم البطولات وأجلّ الملاحم، فقد تحوّلت  تلك المآثر أطلالًا يقف عليها رفاق الشهداء عبر ذكر مآثرهم وعطاياهم التي قدموها وبذلوها حباً لهذا الوطن وناسه في مختلف بقاعه". 

 

سنوية الشهيد عبود ومئوية الشهيد أبو اليمامة

وتأتي الذكرى الأولى لاستشهاد القائد عبود سالم الردفاني بالتزامن مع مئوية صديقه ورفيق دربه الشهيد القائد منير اليافعي أبو اليمامة. وفي هذه الذكرى المشتركة يتحدث قائد السرية الأولى - في الكتيبة الثالثة في اللواء الأول دعم وإسناد - القائد/ مراد الحجيلي قائلاً: "لقد رافقت الشهيد القائد منذُّ يومنا الأول لتشكيل نواة الجيش الجنوبي بقيادة (أبو اليمامة) منذ مطلع العام 2016م. حقيقةٌ لقد كان اسم الشهيد القائد/ عبود سالم الردفاني كابوساً بالنسبة لعناصر الإرهاب وتنظيم القاعدة في العاصمة عدن حتى إعلان تطهيرها بالكامل ومن ثمَّ كان الانطلاق لعاصمة محافظه لحج وكذلك أبين"..

ويضيف قائلاً: "الشهيد عبود هُوَ رجلٌ لا يهاب الموت ولا يتردد أو يتراجع عن تنفيذ أي مهام تسند أو توكل إليه من قبل قيادته وقد كان النصر حليفه وهو حليف النصر بجميع مهامه العسكرية منذ عرفته، ورحيله خسارة فادحة لا يمكن تعويضها أبداً".

http://alomana.net/details.php?id=103602