آخر تحديث :الخميس 28 مارس 2024 - الساعة:17:30:09
“الإرهاب” يبحث عن انتصار في مأرب لإبقاء نفوذه في الجنوب ( تقرير )
(الأمناء نت / خاص :)

خلال الثلاثين عاماً الماضية، أي منذ الاتفاق على إعادة تحقيق الوحدة بين ما كان يُعرف بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في عدن، والجمهورية العربية اليمنية بصنعاء، في 22 مايو 1990؛ تسببت حسابات أنانية ومصلحية وأطماع متصلة بالثروة والنفوذ، في تناسل الحروب وتلغيم أجزاء واسعة من البلاد، وخصوصاً “المحافظات الجنوبية” بمُهدِّدات الإرهاب، عبر توطين الجماعات المتطرفة والإرهابية في أبين وحضرموت وعدن وشبوة، لأغراض تكريس التسلط والاستحواذ على الثروات النفطية والغازية في هذه المناطق.
وقبل ست سنوات، لم يُصغِ أحد لخطورة الأقدام التي كانت تتحرك بشكل مكثف في مختلف المدن والمديريات الجنوبية، وهي الأقدام نفسها التي استقبلتها قوات التحالف، بقيادة السعودية والإمارات، بالدعم والاحتواء من جهة، وأغدقت عليها المزيد من الأموال لتنظيم صفوفها في إطار معارك وجبهات القتال في الساحل الجنوبي والغربي، بل وفي جبهات الحدود السعودية.
صحيح، أن استيعاب التحالف لعناصر الإرهاب المتمركزة في محافظات جنوبية، أطاح بحلم تنظيم “القاعدة” مثلاً، في تشكيل نواة إمارة إسلامية في جنوب ووسط اليمن، من خلال تدريب نُخب عسكرية محليّة وأحزمة أمنية ساهمت في طرد عناصر التنظيم من المناطق التي تمركزت فيها، مثل المكلا وعدن، لكن هذا الأمر سهّل أمام حزب “الإصلاح” المناوئ للأحزمة الأمنية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، والمنخرط ضمن التحالف بشكل مؤثر؛ استيعاب مقاتلي التنظيم الفارين، وهم أساساً يرتبطون به فكرياً، في قوات هادي التي أُعلنت عن تشكيلاتها في مأرب، المحافظة النفطية والغازية التي يفرض حزب الإصلاح سيطرته عليها سياسياً وإدارياً وأمنياً، وصارت الآن تعبيراً واقعياً عن الحضور المنتظم والمدرب لمجاميع تنظيم القاعدة الذين يقاتلون مع قوات الحكومة المدعومة من التحالف، في مواجهة قوات صنعاء التي تُكثف هجماتها منذ أسابيع، سعياً لإسقاط المحافظة.
وبالإشارة إلى معركة مأرب، فإن محاولات تضليل الرأي الجنوبي تبقى كما هي، فيما لا شيء يمكنه أن يكون أكثر خطورة على الجنوب من تعزيز قوة التوطين الممنهج للإرهاب والتطرف في مأرب، وتمكينه من انتصارٍ ما، يمنحه تشديد القبضة على منابع الثروات في مختلف المحافظات الجنوبية، ويقوِّض الحياة برمتها في هذه المناطق.
وتفصح بعض المراجعات في المشهد الجنوبي الساخن عن حقائق أفرزتها ممارسات واقعية للتحالف السعودي الإماراتي، وحكومات هادي المُتعاقِبة منذ 2016، وكذلك عن دعم التوطين لمجاميع الإرهاب، “القاعدة” و”داعش”، في عدد من المناطق الجنوبية. فهناك من يتحدث عن استمرار مأساة الجنوب عبر تجذير وتقوية الإرهاب ومواصلة دعمه ورعايته ليكون سيفاً مُسلَّطاً على رقاب الجنوبيين. وهناك من عاد ليستذكر المهمة ذات الصلة بمواجهة الإرهاب، التي حاربت قوات صنعاء لأجلها في عدن وغيرها من المحافظات الجنوبية، قبل دخول قوات التحالف في أغسطس 2015؛ إذ لم تكن قوات صنعاء بالخطورة التي تجسَّدت بشكل واقعي مع سيطرة العناصر المتطرفة والإرهابية على المؤسسات في عدن ولحج وحضرموت وشبوة وأبين.
وليس بعيداً الآن، المعنى من وراء تصريحات رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي “عيدروس الزبيدي” حول المعارك الدائرة في مأرب، وقوله إن سيطرة قوات حكومة صنعاء على مأرب -لو تمّت- سيقود مجلسه إلى السيطرة على كامل المحافظات الجنوبية.
لكن من غير الصواب القول إن هذه التصريحات تُلخِّص موقف “الانتقالي الجنوبي” من معركة مأرب، أو أنها تعكس وجود ترتيبات بينه وبين السلطات في صنعاء، خاصة وأن مقاتلين من “الانتقالي الجنوبي “قاتلوا جنباً إلى جنب مع قوات الحكومة والتحالف، في معارك جبهات الضالع ضد قوات صنعاء خلال الأسابيع الماضية، وهو تطور لافت في علاقة الانتقالي بالحكومة التي صار جزءاً منها بعد تراجعه عن قرار الحكم الذاتي في عدن، والقبول باشتراطات الرياض وأبوظبي.
من الأهمية فَهْم المخاوف الجنوبية من تداعيات ونتائج معركة مأرب، في سياقها الموضوعي الذي يتسق مع الكوارث التي خلفتها أطراف التأثير والنفوذ -محلياً وإقليمياً- هناك على مدى العقود والسنوات الماضية، حيث تنطلق هذه المخاوف من حقيقة واحدة وهي أن الإرهاب يبقى رهان الطامعين في ثروات الجنوب وموارده الهائلة، وبالتالي فإن هزيمة الإرهاب ودحره في مأرب سيمنع عن مناطق الجنوب مآلات كارثية مُحتمَلة.
والمتفق عليه أن سقوط مأرب على يد قوات صنعاء سوف يسلب الحكومة المدعومة من التحالف، بما في ذلك “الإصلاح” أكبر مكونات الحكومة، آخر معاقلها على الأرض في شمال البلاد الذي تسيطر السلطات في صنعاء على أغلب محافظاته الثلاث عشرة. ويبدو من قبيل التحريض قول البعض -بشكل اعتباطي- إن خروج مأرب من سيطرة التحالف والحكومة التي يدعمها سوف يتحول إلى مواجهة الشمال مع الجنوب.
على أنه من الجيد تَذَكّر مجهودات بعض القوى والمكونات في الساحة الجنوبية، لجعل الذهنية الجمعية مصدقة بأن وصول قوات أجنبية ” التحالف” إلى عدن وسواها من المناطق الجنوبية، وأجزاء من الساحل الغربي الجنوبي، وعقدها تحالفات مع قوى التطرف والإرهاب محلياً، يمثل طوق نجاة للجنوب والجنوبيين قبل ست سنوات مضت!!

نقلا عن "وكالة عدن الإخبارية"



شارك برأيك