الأمير الأديب الشاعر (صالح مهدي بن علي العبدلي)..الثائر الذي جمع بين الأدب والشعر والعمل النضالي والخيري
الأمناء نت / كتب / الأميرة مريم صالح مهدي العبدلي *

في العاشر من مايو 2018م تحل علينا الذكرى الخامسة والأربعين لرحيل القامة الوطنية والثقافية والأدبية والكاتب المسرحي ، والشخصية العسكرية الأمير / صالح مهدي بن علي العبدلي - طيب الله ثراه وأسكنه فسيح جناته - والذى رحل عن دنيانا  الفانية في 10مايو 1973م في مدينة عدن ودفن في مسجد العيدروس كريتر عدن.

ولد الأمير صالح مهدي بن علي العبدلي رحمة الله عليه في مدينة الحوطة عام 1910م.

منزله بجانب قصر دار الحجر في مدينة الحوطة لحج ، يسمى (قصر مهدي بن علي)  وكانت أمامه حديقة ونافورة الأندلس ، والد الشاعر صالح مهدي بن علي العبدلي رحمة الله عليهما ، والذي عاش فيه شاعرنا وتربى وله فيه ذكريات جميل.

وكانت حديقة ونافورة الأندلس آية في الجمال ، كانت حديقة مليئة بالورود المتنوعة والرياحين تتزين بها الحديقة ، والنافورة أعمدتها الرخامية تحيط بها من كل جانب.

حالياً القصر مقتحم من قبل عدد من المواطنين بعضهم من خارج مدينة الحوطة ، والنافورة مكسرة وأصبحت مكباً للقمامة.

الدراسة :

درس الأمير صالح مهدي بن علي العبدلي في المدرسة المحسنية العبدلية والتي كانت تعد صرحا علميا وتعليميا كبيرا ليس على مستوى لحج والجنوب العربي بل على مستوى الجزيرة والخليج.

ثم انتقل إلى مدينة عدن في فترة الحكم والاحتلال التركي ودرس اللغة الإنجليزية في إحدى المدارس التبشيرية بعدن فأجاد اللغة الإنجليزية  نطقاً وكتابة. وكان يستعين به بعض سلاطين وأمراء العبادل في الترجمة ومخاطباتهم باللغة الإنجليزية.

المناصب :

شغل الأمير صالح مهدي العبدلي منصب نائب قائد الجيش في السلطنة العبدلية ؛ أي نائبا لخاله القمندان الأمير أحمد فضل بن علي محسن العبدلي ، الذي كان حينها قائداً لجيش السلطنة العبدلية رحمة الله عليه ؛ ونظراً لاتجاه القمندان واهتمامه بالجوانب الثقافية والأدبية والفنية ، وكان القمندان لا يهتم بأمور الحكم وتعقيداتها ومشاكلها وترك أمر قيادة الجيش لابن أخته الأمير صالح مهدي بن علي العبدلي ، والذي خلفه فيما بعد في قيادة جيش السلطنة العبدلية.

وفي عهد قيادة الأمير صالح مهدي العبدلي للجانب العسكري والأمني في سلطنة لحج ، شهدت لحج استقراراً أمنياً واستطاع من تأمين حدود السلطنة وتنظيم وتحديث الجانب العسكري والأمني للسلطنة ، وكان قائداً عسكرياً محنكاً يحظى بالاحترام والتقدير من قبل أبناء سلطنة لحج وعاصمتها الحوطة.

رغم أعباء المسؤولية في قيادة الجيش في السلطنة إلا أن الأمير صالح مهدي العبدلي ظلت اهتماماته في الجوانب الثقافية والأدبية والفنية مستمرة ؛ حيث عاصر خاله القمندان وكان ملازماً له ومشاركاً في ندواته الشعرية والأدبية والفنية وفي جلساته ومقايله ومقابلاته ، وتأثر الأمير صالح مهدي العبدلي بخاله القمندان.

الأمير صالح مهدي العبدلي - رحمة الله عليه - كان متعدد المواهب ، فهو شاعر مرهف الأحاسيس والمشاعر،  وهو موسيقي وعازف بارع أجاد العزف على آلة العود والكمنجة والبيانو ، وهو رياضي ولاعب ماهر في لعبة التنس.

وكان من المداومين والمشجعين والمشاركين للعبة الهوكي التي كانت تقام في الملعب المقابل لقصر البراق. القصر الذي سكن فيه هو وأولاده وبناته وأخوه أحمد مهدي بن علي العبدلي وأولاده .وهو أيضاً من شجع على ازدهار المسرح في لحج ودعمه بالمال وزوده بالمسرحيات العربية والتاريخية والاجتماعية ، وقد ترجم الكثير من المسرحيات الأجنبية العالمية إلى العربية وبعضها حولها باللهجة اللحجية وشجع على تمثيلها في مسارح لحج مسرح العروبة ومسرح الفرقة الشعبية في مدينة الحوطة.

 

أب مثاليّ يرعى أسرته ويهتم بأولاده

كان والدي ديمقراطياً في تربية أولاده ، وكان حريصاً كل الحرص على إسعادهم وإعطائهم حرية الاختيار في دراستهم وحياتهم العامة والخاصة ، كان يعامل أولاده الخمسة - ( للأمير صالح مهدي العبدلي خمسة أولاد اثنين ذكور وثلاث بنات) - ولا يفرق بينهم. وتعامل معهم وكأنهم أصدقاءه ، وشجعهم على التعليم ومواصلة  الدراسة وأحضر لهم  معلمين ومعلمات في قصر البراق - قصر الشكر - لتدريسهم اللغة الإنجليزية وحفزهم على دراسة اللغة الإنجليزية  وغيرها ،  كنا حينما نقابله كان يتكلم معنا باللغة الإنجليزية وذلك لمعرفة مدى استيعابنا للدروس ، ويحفز من يبرز منا في دراسته بشراء الجوائز والتحفيز المادي والمعنوي ، كان أباً حنوناً.

كما كان الأمير صالح مهدي بن علي العبدلي لديه مكتبة عامرة بالكتب القيمة في مختلف التخصصات ، البعض منها باللغة الإنجليزية ، وكان يعطي كلاً منا كتاباً لقراءته وتلخيصه ويحدد لكل منا موعداً لمناقشته وذلك ليعرف مدى الاستفادة من الكتاب الذي كلف كل واحد منا بقراءته. كان الأمير صالح مهدي العبدلي رحمة الله عليه مثقفاً واسع الإطلاع والمعرفة ، يمتاز بالذكاء ، موسوعة ثقافية ، ملماً بالعلوم العسكرية والأمنية ، لديه معرفه بالنوتة الموسيقية ويعزف عليها.

مكتبته العامرة في قصر الشكر  الزاخرة بالكتب القيمة ومنها ما يخص تاريخ العبادل والسلطنة العبدلية ، وتاريخ سلطنات وإمارات ومشيخات الجنوب العربي ، وكتابات الأمير القمندان التي كانت تضمها مكتبة كبيرة ، ومرتبة ومفهرسة في قصر البراق.

مع الاستقلال وخروجنا مجبرين من عدن من قبل النظام الجديد تم العبث بالمكتبة ونهبها باعتبارها من مخلفات العهد السلاطيني  البائد ، كل شيء في قصر البراق تم نهبه وتدميره ، كان بالإمكان الاستفادة من هذه المكتبة العامرة بالكتب القيمة وهي تاريخ وتراث ؛ ولكن هكذا كانوا يفكرون وممارسات خاطئة تفكير بدون وعي ندفع ثمنها حتى اليوم.

 حتى والدي الأمير صالح مهدي بن علي العبدلي ، والذي رفض الخروج معنا مفضلاً البقاء في مدينة عدن ، وقد قال لنا كلمته المشهورة حينما حاولنا إقناعه بالخروج معنا و التي أتذكرها حتى اليوم : (عشت في هذه المدينة الجميلة أحلى سنين عمري عدن ، ولن أتخلى عنها وسوف أكمل ما تبقى من حياتي فيها حتى أُلاقي ربي).. حتى القصر الذي عاش فيه الأمير صالح مهدي أجمل حياته وذكرياته أخرجوه منه ونقلوه إلى إحدى غرف منزل السيد محمد علي الجفري (إقامة جبرية) ، وبعد تدخل الناس الطيبين تم إعادته إلى القصر وأعطيت له غرفة صغيرة في قصر البراق ، وكانت حالته الصحية قد تدهورت ولم يمكث كثيراً في هذه الغرفة حتي وافته المنية  بسكتة قلبية نتيجة للقهر والظلم الذي لحق به.

 

إبداعاته الثقافية والفنية والشعرية

كان والدي الأمير صالح مهدي من أشد المعجبين والمغرمين بالموسيقي الكلاسيكية، وكان لديه العديد من الأسطوانات لأشهر الفنانين والموسيقيين العرب والعالميين ، وكان من أشد المعجبين بموسيقار الأجيال الفنان الراحل محمد عبدالوهاب ، وسيدة الغناء العربي أم كلثوم.

كان لديه غرفة خاصة به وفيها آلاته الموسيقية العود والكمنجة والبيانو ، يعتكف فيها وما ندري إلا وقد خرج لنا بقصيدة من قصائده الغنائية الجميلة والخالدة ، وكان الموسيقي الكبير الأمير محسن بن أحمد مهدي العبدلي يعيش معنا في (قصر الرزميت) وهو  ابن أخ الأمير صالح مهدي وصهره - زوج ابنته - يتسلم القصيدة ويقوم بتلحينها.

ومن أجمل القصائد الرائعة والخالدة خرجت من قصر الشكر - قصر البراق - من عدن ، وهي من إبداعات وكلمات الأمير صالح مهدي  بن علي العبدلي والتي لحن الكثير منها الأمير محسن بن أحمد مهدي العبدلي رحمة الله عليهم.

 

أبرز قصائده الغنائية

- ليه يا هذا الجميل .

- يقولوا لي نسى حبك وليه تجرى وراه.

- على الحسيني سلام .

- يا ربيب الحب.

- جود يا مضنون جود.

- ناجت عيوني.

-ابن الهوى ياغبونة.

- ليتني نسمة على وجه الحبيب.

- جمعت فنون الغزل.

- صغير السن يا غالي.

- عيون سهرانة.

- حبيته وعذبني.

- صدفة التقينا.

- إن قلت باتوب.

- يواعدني وينساني.

- على شانه على شانه.

 

غنى له كبار الفنانين الأساتذة ، منهم:

  • الشهيد فضل محمد اللحجي.
  • محمد صالح حمدون.
  •  أحمد يوسف الزبيدي.
  • سعودي أحمد صالح.
  • عبدالكريم توفيق.
  • مهدي درويش.
  •  محمود محمد ناصر.
  •  علي سعيد العودي.
  • فيصل علوي.
  • عوض أحمد.
  • سيلان.
  •  الربان عبود خواجة.
  • أحمد فضل.
  • علوي فيصل علوي.

كما غنى له عدد من الفنانين من عدن ، الأساتذة :

  • عبدالرحمن باجنيد ، أغنيته المشهورة : (اعطني يا طير من ريشك جناح).
  •  ياسين فارع أغنيته المشهورة : ( يا ناعس الطرف).
  • محمد عبده زيدي ( احلف بحسنك).
  •  أمل كعدل أغنيتها المشهورة( يقولوا لي الهوى قسمه).

 

وفي ذكرى رحيل والدي الأمير صالح مهدي بن علي ، أُعلنُ بأن هناك قصائد وطنية وعاطفية جميلة وكثيرة لم يتضمنها ديوان (على الحسيني سلام)  لازلتُ محتفظة بها وعند إعادة طباعة ديوان (على الحسيني سلام) سوف أضمنه تلك القصائد.

ومن الأغاني الجميلة والخالدة للأمير صالح مهدي العبدلي ( على الحسيني سلام) ، وهو عنوان ديوانه والذي طبع في مطابع الهمداني للطباعة والنشر عام 1985م..

ونتمنى من أ.د الخصر ناصر لصور رئيس جامعة عدن والذي يعد داعماً رئيسياً للمبدعين وأعمالهم الثقافية والفنية ، وهو بعمله هذا الطيب يحافظ على الموروث الثقافي والفني والأدبي والإبداعي لعدد من القامات الوطنية والثقافية  وقد سبق وأن قام مشكوراً بطباعة كتاب التأبين للسلطان الثائر علي عبدالكريم العبدلي على حساب الجامعة وفي مطبعة جامعة عدن ، وحالياً مطبعة جامعة عدن وبتوجيه من أ.د الخصر ناصر لصور تقوم بطباعة أعمال الأستاذ عبدالله هادي سبيت طيب الله ثراه.

 

مسك الختام

في ذكرى رحيل القامة الوطنية والثقافية والأدبية والفنية والمسرحية والعسكرية الأمير صالح مهدي بن علي العبدلي - رحمة الله عليه – لا يسعنا إلا أن نقف إجلالاً وتقديراً لهذا المبدع الكبير والذي ترك أثراً كبيراً في نفوسنا ووجداننا  بأعماله الخالدة التى تذكرنا بذلك الزمن الجميل والرائع.

وفي ذكرى رحيله 45 لا يسعنا إلا ندعو له بالرحمة والمغفرة والرضوان وأن يسكنه فسيح جناته.

 

* ابنة الأمير / صالح مهدي بن علي العبدلي.

متعلقات
قصة قصيرة.. الأب المكافح والابن الشقي
قصة قصيرة..غزلان وغدر الزمان
قصة قصيرة .. الأميرة الضائعة وبائعة الصوف
الروائي اليمني "حبيب سروري" يفوز بجائزة "كتارا" للرواية العربية في دورتها الخامسة
صدور العدد الأول من صحيفة عدسة ردفان