منى تركي
رؤاهم في جذور قضيتنا (1) والملام عندهم أنت.. يا جنوب !

بالتزامن مع استعدادات جنوبية لتظاهرات جديدة رافضة للاحتلال والحوار إحياء لذكرى يوم مثّل الزاوية التي انعطف عندها مشروع الوحدة دون رجعة، أتحفنا كل من الإصلاح والمؤتمر - اللذان يشكلان الطرف الذي احتل الجنوب و تقاسمه – وهو يطرح رؤيته لجذور القضية الجنوبية طرح الدفاع عن النفس، بإلقاء نصف اللوم على الشريك في الحكم والحرب، في اعتراف بالتبادل فهذا يفضح ذاك وكلاهما شريك في فعل الآخر، لولا أنهما اتفقا على تحميل الضحية نصف اللوم الباقي استنادا لتاريخها الأسود المشين و كأنهم أصحاب صحائف بيض ناصعة!

وقد اتفقا على وطنية القضية والتي تحتمها وحدة الهوية اليمنية عملا بقاعدة الفرع والأصل، وهنا خلط للأمور لم يأتِ بجديد، فخطاب "اليمن الواحد الجامع حتما" هو ذاته من 94 بفارق تدبيجه هذه المرة بالتنويه إلى انتهاكات قام بها شريك الحرب الآخر.

إذاً 1967 نقطة اتفقوا على جعلها منطلقا لتكون – وفق نص رؤية المؤتمر - أقرب إلى "فهم" أجيال هذا الزمن، متجاهلين أمرين، الأول: إن من عايش في الجنوب تلك الحقب قد صالحوا و سامحوا  ومنذ 7 سنوات وهو التطور الذي أغفله كلا الطرفين، والثاني: إن من لم يعايش وعيه تلك المرحلة وهم الشباب الجنوبي وأغلبية الوجود اليوم "لا يفهمون" وأبعد من أن يؤثر فيهم الحديث عن مذابح الثمانينيات وما قبلها، فهم فتحوا أعينهم على وحدة فاشلة أسقطها قادة الشمال بحرب ظلمتهم و جعلت آباءهم يتوحدون بعد شقاق، وتوحدهم كآبائهم ضد الاحتلال مقدس، قداسة الحياة.

وحول وطنية القضية فهم فقط يبرون بقسمهم الحواري على عدم طرح قضايا غير وطنية، ولهذا رأى عموم الجنوبيين ومن البداية أن يرفضوا القبول بإدراج قضيتهم في الحوار الوطني لليمن لأن ذلك ببساطة يطمس هويتهم ويصنف قضيتهم على أنها يمنية داخلية قسماً ويميناً، الأمر الذي يعني إنكار الاحتلال وتمييع الوجود الجنوبي.

صنعاء إذاً بالخطيئة تعالج الخطايا، بالتحايل والقمع، شهيد تلو الشهيد وكذبة تلو كذبة يتغلغل في صدور الجنوبيين الكفر بعقائد الحركة الوطنية وثوابتها التي أعقبت استقلال 67، تلك العقائد نفسها التي جحدها الإصلاح قبلاً ليشيد بها اليوم في رؤيته.

ولعلها من المفارقات أن يشيد الإصلاح اليوم بالأسس والمبادئ التي انتهجتها الحركة القومية ومن بعدها الحزب الاشتراكي اليمني رغم موقفه الشاذ منها ومن الوحدة ودستورها قبل حرب 94 في تقاسم للأدوار مفضوح، رغم أن الحراك حامل القضية الأصلي بات اليوم يراجع الأسس ذاتها والتي يرى بأنها لم تكن صائبة في ما يتعلق بواحدية الثورة والهوية والمصير اليمني، وربما هنا اللوم حقاً في تجربتنا طوال الفترة قبل 90، ونتيجة لهذا الخطأ التأسيسي تحديدا كانت أغلب الصراعات تدور في رحانا وليس كما تصور الرؤيتان بأن غياب الكيان الجامع هو السبب، وإلا لما كان اليوم حالنا أسوأ من ذي قبل.

وخطأ تلك التوجهات يؤكدها المنطق البسيط قبل أن تؤكدها لنا الإرادة الشعبية اليوم في ساحة العروض، فالتجربة التاريخية للشعبين ليست مختلفة وحسب بل ومتضادة بين المدّنية والقبلية، سلطة القانون وسلطة القوي على الضعيف الأمر الذي أنتج ثقافتين متناقضتين تمثلان هويتين متباينتين.

وتجلى ذلك التباين في 27 من أبريل 1993، عشرون عاماً بالضبط من اليوم و قبل إعلان صنعاء الحرب على شريك الوحدة بعام كامل، حيث كانت الانتخابات البرلمانية المنظمة بمساعدة دولية تُشهر عملياًعن فشل "الاندماج" السياسي و الاجتماعي بعد 3 أعوام تقريباً تمثل الفترة الانتقالية المناط بها تنفيذ الوحدة على مستوى المؤسسات و المجتمع، بنتائج "شطرية" حتى في تلك المناطق الشمالية التي صدّع نواح بؤسائها وشكواهم المذلة من صنعاء القبلية رؤوسنا، والذين آوى الجنوب زعماءهم وأكرمهم لينكروه فيما بعد.

ولكن هل يفشل اندماج الواحد؟؟، أليس هذا إثبات وبالتجربة على بطلان دعوى حتمية وحدة الجنوب والشمال؟

إلا أن كل ذلك الحديث المطول عما قبل 1994، والإصرار على أن فشل مشروع الوحدة نتيجة سوء الإعداد كان هو جذر المشكلة مع امتدادات تتعلق بتركة الصراعات المتلاحقة يبقى هروباً إلى القشور الرفيعة، لا يعطي تفسيراً مقنعاً لتبدد إرادة العيش المشترك و التي على ضوئها صاغ الجنوبيون مطالبهم و فجروا حراكهم.

.. يتبع.

* عن صحيفة الأولى

مقالات أخرى

نصيحة

عبدالجليل شائف

محسن بن فريد ...رحيل شخصية استثنائية 

صالح علي الدويل باراس

خصوم المشروع الجنوبي !!!

صالح علي الدويل باراس

عن حجم معاناة الناس وما قاله بائع السمك

اللواء / علي حسن زكي