في الدول المستقرة، يُعتبر صرف رواتب الموظفين الحكوميين أمرًا روتينيًا وبديهيًا، يُنفَّذ تلقائيًا دون الحاجة إلى إشادة أو احتفاء. لكن في اليمن، وفي ظل الشرعية اليمنية، تحوّل هذا الحق الأساسي إلى إنجاز كبير، يستدعي التصريحات الإعلامية والاحتفالات وكأنه فتحٌ عظيم.
عندما تصبح أبسط الحقوق مطلبًا يصعب تحقيقه، فهذا مؤشر على الخلل العميق في بنية الدولة وإدارتها ، فالرواتب ليست منّة من أحد؛ هي استحقاق دستوري وواجب تتحمله الحكومة تجاه مواطنيها. لكن في ظل الأوضاع التي تشهدها اليمن منذ سنوات، يبدو أن الشرعية اليمنية فقدت القدرة على إدارة شؤون الدولة بفعالية، وانحصر أداؤها في تحقيق إنجازات شكلية ومحدودة، مثل صرف الرواتب.
مع غياب المشاريع التنموية والخدمية الكبرى، وانعدام الإنجازات الأخرى تلجأ حكومة الشرعية إلى تضخيم أي خطوة صغيرة لتعويض الفشل في المجالات الأخرى.
وتحاول الشرعية من خلال التغني بصرف الرواتب على أنه دليل على استقرار الحكومة واهتمامها بالمواطنين وبأوضاعهم المعيشية ، رغم أن الواقع يشير إلى عكس ذلك.
من المضحك المبكي أن يتحوّل صرف الرواتب إلى عنوان رئيسي في الإعلام الرسمي للشرعية اليمنية وأداة للتفاخر ، في حين أن ملايين اليمنيين يعانون من الفقر والجوع بسبب الحرب المستمرة، وتبرز هذه الاحتفالات كدليل على انفصال السلطات عن معاناة الشعب.
ليس هناك ثمة حلول لهذا الواقع المأساوي والوضع المخزي الذي تمر به المسماة شرعية يمنية لإصلاح ما يمكن إصلاحه إلا من خلال إصلاح المؤسسات حيث يجب أن يكون صرف الرواتب عملية مؤسسية منتظمة وغير مرتبطة بأهواء السياسة ، كما أن الفشل في تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين يجب أن يقابله محاسبة حقيقية للمسؤولين وللقيادات غير الكفؤة.
إن الاحتفاء بصرف الرواتب يعكس صورة قاتمة عن واقع الشرعية اليمنية، حيث تحوّلت الحقوق إلى إنجازات، والواجبات إلى مكاسب سياسية، لكن الأمل يظل قائمًا في أن يدرك القائمون على الحكم أن إدارة الدولة تتطلب أكثر من التصريحات، إنها تتطلب إرادة حقيقية للنهوض بالوطن وإنقاذ الشعب من هذا الواقع المأساوي.
مقالات أخرى