منى خالد تركي
طفلة ..

" ممنوع لأنك صغيرة " " ليس بعد لازلت طفلة " عبارات تصطدم بها طموحاتي دائما ، رغم ذلك فهي لا تثير حنقي بالمرة ، ربما لأنها تحتل الجزء الأكبر من ذلك الطموح ، فكيف أتضايق حين ينسب إلي " حلم " أفتش عنه بين جنبات حياتي دون جدوى ، حلم سرق من جفوننا مبكرا ، أتمنى لو أعيش تفاصيله و إن طالت به قائمة المحضورات ، فكوني ولدت بعد الاحتلال فهذا حتم عليّ أن أكون جزء من جيل سلخت منه الطفولة بعنف ليكبر

عاريا مثقلا بالجراح .

طفولة ضائعة بضياع الوطن هو حال جيل لم تنهر الوحدة إلا على رأسه ، ولدنا في فترة كانت الأسواء في حياة ذوينا ، و نشاءنا في ظل استكانة طالت أتاحت للاحتلال العبث بمقدرات جنوبنا و على رأسها " نحن " المعرّفون بجيل الوحدة ، تداعى التعليم و تفشى الفقر و المرض و انعدم الأمان و انهارت القيم و طالنا القتل و الاعتقال و رسخت في أذهاننا صور من اختارتهم الرصاصات منّا شهداء ، تلك الرصاصات التي لم تبرح أصواتها تقرع طبول آذاننا ليل نهار و الدم اعتدناه يسيل على الأرصفة و تتلطح به الجدران .. لا طفولة بلا أوطان .

و كامتداد للبطش ، صُدرت بالعنف الجاهليةُ و التخلف إلى مجتمعنا ، و قبلها الأخير قهرا و جهلا ، جاهلية تنكر الطفولة و تغتالها متسترة بعباءات الدين و التقاليد و الفقر ، جاهلية كرست الهدم في مستقبلنا بحرماننا من الشمس الازمة لنضوجنا .

كنت في ال 12 من عمري حين عدت من سفر غبت خلاله لعدة أشهر عن حينّا ، لم تكن قد مضت بعد سوى ساعات قليلة على وصولي حين غادرت منزلنا مهرولتا تجاه وسط الحي ، أبحث عن أصدقائي متأهبة للعب الكرة ، لأبَلغ هناك بأن الفتيات توقفنّ عن الخروج للعب ! ، لم ؟؟ تساءلت باستغراب ، " تقول أمي بأننا كبرنا " كان الرد !!

من وقتها تغير كل شئ ، استُبدلت ثيابنا الملونة المزخرفة بعباءة سوداء كئيبة ، كما تغيرت مدارات حديثنا التي كانت تلف حول اللعب و الكرة و الفتاتير و حبل القفز ... و ربما المدرسة ، لتدور حول جديد الألبومات و المسلسلات و الموضه و الموبايلات و أشياء سخيفة لم أحبها ، حاولت التمرد و اللعب في الحي و لكن دون فائدة فلم أسلم من نظرات الناس و ولمزاتهم و حتى سخريتهم .

في العام نفسه انتقلت من مدرستي المختلطة إلى مدرسة خاصة بالبنات ، انتقلت إلى عالم مختلف تماما عن الذي ألفته ، عالمٌ أقل براءة و أكثر قسوة ، عالم من المعيب فيه أن تحب اللعب أو أن لا تفكر بشؤون يختص بها الكبار ، في العام نفسه أيضا تزوجت زميلتين لنا في الصف ، فتيات في مثل سني أو ربما أكبر قليلا .

كنّا أطفال في 12 فقط ، لكنهم و بقسوة حرفوا مسار حياتنا من براءة طاهرة و مرح مباح إلى تزمت لم ينتج إلا جيل متداعية القيم فيه جيل خائف سطحي ، جيل ضحية ، جيل حرم الشمس فلم ينضج كما ينبغي ، جيل صلبت طفولته بيدين آثمتين ، الاحتلال و الجهل .

طفلة أنا ، طفلة تسعى ليعرف من بعدها الطفولة التي لم تعشها

مقالات أخرى

لكم فبركة الإشاعات ولنا النصر والثبات والسيطرة على الارض

اياد غانـم

الحذر من الاختراقات وحرف الاحتجاجات عن أهدافها ومشروعيتها

صالح شائف

حينما تموت المدن واقفة.. عدن قصة كفاح ونداء استغاثة ينتظر من يسمعه

غازي العلوي

ورحل عبداللطيف الطبيب الإنسان

فضل الجعدي