على مدى الأيام الثلاثة الماضية يكاد لا يخلو تقرير إخباري مصور تبثه وسائل إعلام الحوثيين أو المقربة منهم، من مشاهد توضح الدمار الذي تعرضت له "بوابة مدينة الحديدة" الواقعة على بعد كيلو مترات عدة شرقي المدينة جراء المواجهات العسكرية بين قوات الحوثي والقوات الموالية لحكومة الشرعية المعترف بها دوليا، والتي يطلق عليها في وسائل الإعلام اليمنية تسمية "قوس النصر" فيما واقع حال هذه المدينة الساحلية المطلة على البحر الأحمر وما تعانيه من فقر وبؤس مضافاً اليها الظروف التي صاحبت إنشاء ذلك الهيكل الخرساني الضخم مطلع العقد الماضي وتحديدا في العام 2001م يدعو لتسميتها بقوس "النهب والنصب"
على مدى العقدين الماضيين مثلت تلك العقود الخرسانية الضخمة المكسوة بالحجارة والقابعة على المدخل الشرقي لمدينة الحديدة مادة للتندر والفكاهة والسخرية بين سكان المحافظة بسبب موقع إنشاءها غير المناسب والتكلفة المهولة التي خصصت لبنائها والتي قيل حينها أنها تجاوزت ال 270 مليون ريال والتي جرى استقطاعها من مخصصات المحافظة في وقت كانت فيه أغلب مديريات المحافظة في أمس الحاجة للمشاريع الخدمية والحياتية المهمة كالمياه والكهرباء والطرق، كما اعتبرها البعض شاهدا صامتا يخلد أعمال "النهب والنصب" التي مارسها اباطرة الفساد في عهد الرئيس المخلوع صالح في هذه المحافظة بالذات والتي كانوا يتعاملوا معها وكأنها ملكية خاصة بهم.
عملية إنشاء البوابة لوحدها التي تمت في عهد محافظ الحديدة آنذاك (محمد حاتم الخاوي) مثلت بوابة كبرى للنصب والتكسب غير المشروع، وتحت يافطتها تكسب القائمون على مشروع انشاءه عشرات الملايين من الريالات جرى استقطاعها من ايرادات المحافظة كما تحصلوا على آلاف اكياس الإسمنت بالمجان من مصانع الأسمنت في المحافظة لصالح بناء "بوابة صالح" كما أطلق عليها أبناء الحديدة آنذاك.
وبعد انشاءها مثلت قوسا للنهب والسلب، حيث كانت تمر من تحت اقواسها العالية الناقلات المحملة بالمشتقات النفطية "المدعومة" والتي كان يتم تهريبها عبر شواطئ المحافظة الساحلية الى دول القرن الأفريقي على مرآى ومسمع من محافظي المحافظة ومسؤولي اجهزتها الأمنية ، كما كانت تمر عبرها الشاحنات المحملة بالمانجو والموز وغيرها من الفواكه المزروعة في أرض تهامة التي اغتصبها متنفذي نظام الرئيس المخلوع صالح على مدى عقود لتباع في الاسواق اليمنية وتصدر الى دول الجوار لصالحهم فيما يجني أبناء الحديدة الفقر والبؤس والألم ، وعلى بواباتها كان يمارس أفراد الأجهزة الأمنية التي كانت تتمركز فيها هوايتهم المفضلة في استفزاز سكان المدينة وابتزاز العابرين من تحت أقواسها "مواطنين.. تجار.. سائقين.. الخ، ثم جاء من بعدهم الحوثيين ليستنوا سنتهم ويقتفوا اثرهم في هذا المجال بعد أن قاموا طبعاً بإزالة صورة الرئيس المخلوع صالح وتدمير شعار حزبه الحاكم الذي تم نحته في أعلى البوابة عند بناءها.
شخصيا أقول وبكل قناعة فليذهب "قوس النهب" هذا غير مأسوف عليه أيا كانت الجهة التي اختطت بيدها فصول نهايته ، كما آمل ألا يفكر احد ما لاحقا بترميمه او إعادة بناءه ، فهذا المعلم المسخ لم يكن ليمثل معلماً حضاريا لمحافظة الحديدة ولم يمثل يوماً ما رمزاً لأبنائها الشرفاء، وانا على ثقة بأن قوس النصر الحقيقي لمحافظة الحديدة صنعه وسيصنعه بدمائهم وتضحياتهم إخوانهم ابناء المحافظات الجنوبية من ابطال الوية العمالقة والى جانبهم كتائب المقاومة التهامية الذين يسطرون اليوم على بواباتها أروع ملاحم البطولة والتضحية في سبيل تخليص المحافظة وأبناءها من الإنقلابيين وإعادتها الى حضن الوطن والتي ستكون انتصاراتهم قوسا حقيقيا للنصر ومفتاحا للحلول السياسية والعسكرية لهذه الحرب وبوابة لعبور اليمن من هذا النفق المظلم بإذن الله.
مقالات أخرى