مثــّل فتوى الديلمي عام 1994م جنوحاً صارخاً لرجال الدين في اليمن ، ألحق ضرراً كبيراً بالدين الإسلامي والعلاقات الانسانية والأخوية التي ابتـنت عليها الرابطة الاسلامية والقومية العربية منذ زمن بعيد ، حيث كان العربي يتوق ويتلهف للوحدة والتكامل والتضامن مع أخوه العربي ، والمسلم يسعى إلى التقارب والتعاون ، على البر ، مع أخوه المسلم مهما اختلفت الهوية أو اللغة ؛ فالإسلام هو القاسم المشترك بين العرب والمسلمين والمنهاج السليم للحياة البشرية لدى المسلمين ، لا يضاهيه دين .
لقد سمع المسلمون عن اعلان وحدة يمنية اندماجية بين دولتين اسلاميتين هما الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية في عام 1990م بصورة مفاجئة ، دون أن يربط بينهما - كنظامين - شيءٌ يذكر سوى الإسلام والعروبة ، وهذا ما أيّده زعماء الدول العربية والإسلامية في حينها .. ولكن للأسف لم يحرك المسلمون ساكناً بعد قيام التحالف الدولي الذي تكون من 34 دولة غير اسلامية لرفع الظلم عن شعب الكويت المسلم ، ذلك التحالف الذي كان له الفضل في الدفع ببعض الدول العربية لتحرير دولة الكويت بالقوة ، حيث سمع المسلمون أيضاً في عام 94م عن غزو دولة اليمن لدولة جنوب اليمن ولم يحركون ساكناً ؛ فهل كان العرب والمسلمون بحاجة إلى قرار لمجموعة دول غير اسلامية أو غير عربية ، لتحث الدول العربية الاسلامية على القيام بواجبها لوقف الحرب على شعب عربي مسلم في جنوب اليمن ؟! .
وهل للمسلمين أن يدركوا المعاني الانسانية والأخلاقية التي وردت في بعض نقاط قرار مجلس الأمن الدولي رقم 924 الصادر في 1 يونيو 1994م ومنها على سبيل المثال : " إن مجلس الأمن إذ يأخذ في اعتباره مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة ، وإذ يساوره القلق إزاء الموت الفاجع للمدنيين الأبرياء ، وإذ يرى أن استمرار الحالة يعرض السلم والأمن في المنطقة للخطر ، (1) يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار ؛ (2) يحث على الوقف الفوري لتوريد الأسلحة وغيرها من المعدات التي قد تسهم في استمرار الصراع ؛ (3) يذكـِّر كل من يهمهم الأمر بأنه لا يمكن حل الخلافات السياسية باستخدام القوة ، ويحثهم على العودة فوراً إلى المفاوضات ، مما يسمح بحل الخلافات بينهم بالوسائل السلمية وإعادت احلال السلم والاستقرار " .. إلخ ؟!.
وعلى النقيض من ذلك الموقف الأخلاقي الإنساني التاريخي لغير المسلمين ، الوارد في قرار مجلس الأمن الدولي ، أصدر عبد الوهاب الديلمي فتوى باسم المسلمين ، تكفـِّـر الجنوبيين ، وتحرِّم وقف إطلاق النار ، وتبيح قتل أبناء جنوب اليمن ، واعتبار كل ممتلكات الجنوب ومحافظاته غنائم حرب .. وهنا سأبرز جزء من ما جاء في فتواه التي وجدناها بالصوت والصورة والنص ، كما يلي :
" أجمع العلماء أنه عند القتال ، بل إذا تقاتل المسلمون وغير المسلمين ، فإنه إذا تمترس أعداء الإسلام بطائفة من المسلمين المستضعفين ، فأنه يجوز للمسلمين قتل أولئك المتمترس بهم مع أنهم مغلوب على أمرهم وهم مستضعفون من النساء والضعفاء والشيوخ والأطفال ، ولكن إذا لم نقتلهم فسيتمكن العدو من اقتحام ديارنا وقتل أكثر منهم من المسلمين ، ويستبيح دولة الاسلام وينتهك الأعراض ، إذن فقتلهم مفسدة أصغر من المفسدة التي تترتب على تغلب العدو علينا ، فإذا كان اجماع المسلمين يجيز قتل هؤلاء المستضعفين الذين لا يقاتلون ، فكيف بمن يقف ويقاتل ويحمل السلاح ؟ ، هذا أولاً ..
أما الأمر الثاني : الذين يقاتلون في صف هؤلاء المرتدين هم يريدون أن تعلو شوكة الكفر وأن تنخفض شوكة الاسلام ، وعلى هذا يقول العلماء : من كان يطمح في نفسه في علو شوكة الكفر وانخفاض شوكة الاسلام فهو منافق ، أما إذا أعلن ذلك وأظهره فهو مرتد أيضاً " .
ولقد صدرت تلك الفتوى المشهورة بـ "فتوى الديلمي" في 8 يونيو 1994م التي سمعها زعماء الدول والمنظمات الاسلامية ، بعد أن اسقطت قوات نظام صنعاء معظم المواقع العسكرية الجنوبية إلى أن احتلت بلدة صبر التي تبعد 15 كم فقط عن العاصمة عدن في 7 يونيو ، ذلك اليوم الذي قصفت فيه "ميناء عدن" بالصواريخ ، مع استمرار القتال الضاري على ثلاث جبهات حول عدن .. وتمهيداً لإصدار فتوى تحرِّم وقف اطلاق النار وتبيح إبادة سكان عدن ، أعلنت سلطة صنعاء في 6 يونيو وقفاً لإطلاق النار - انهار بعد 6 ساعات - بعد قيامها بغارات جوية على "مصفاة عدن" واشتعال الحرائق فيها يوم 5 يونيو، وبعد أن دعت جمهورية اليمن الديمقراطية مجلس الأمن الدولي في 4 يونيو إلى إرسال قوت دولية للفصل بين القوات المتحاربة .
إن على زعماء الدول والمنظمات الاسلامية ، وعلى الأخص المملكة العربية السعودية خادمة الحرمين الشريفين ومهبط الدعوة الاسلامية ، بيان الموقف الاسلامي الصحيح من أي فتاوى تصدر عن فرد أو أفراد باسم المسلمين ، كتلك التي تترتب عليها مواقف سياسية أو نتائج سلبية ، كما حصل في نتائج حرب 1994م على الجنوب ، وأهمها فتوى الديلمي ، أو ما يمكن أن يترتب على الفتوى الجديدة لعلماء اليمن ، بتأكيدها أن الوحدة اليمنية التي أوصلت اليمن إلى ما هو عليه اليوم ، هي " فريضة شرعية " .. وهل فرض أمر واقع على المسلمين يُعد من الفرائض الشرعية التي يتوجب على المسلمين اتباعها ؟! .
مقالات أخرى