يرتبط الانتماء بالذاكرة و النسيان بروابط عدة , فالمقصود بالانتماء هو ذلك الشعور و الانجذاب إلى الأشياء التي لا تقاومها أو تفارقها وإن ابتعدت عنها يظل هناك حنين للعودة إليها فتتمسك بها أكثر و أكثر , وإن أبرز انتماء هو الانتماء إلى الله تعالى ، ومن ثم الوطن ، و الحب ، و العمل ، و كل ما هو سامٍ في هذا الوجود و بمختلف جوانب الحياة سواء كانت إيجابية أو سلبية , فالإيجابية تنمو كشجرة فروعها في السماء و جذورها في أعماق الأرض , أما السلبية فهي بمثابة ضربات الفؤوس على تلك الأشجار, يكفي جراحاً و ألماً و عقباتٍ بهذا الوطن ، ونكف من أن نفرق فيه طاقاتنا السلبية , فالخطأ عند البعض لا يكمن في قلة الخبرة بل في عدم استيعابه أثناء عملية التنمية و بتالي فإن الإرباك الاجتماعي و السياسي هو نتيجة حتمية لتلك العقبات في مرحلة لا تحتاج لمزيد من الضغط لأن ذلك قد يؤدي إلى انفجار من دبوسٍ و إن كان صغيراً ! .
إن الخطى الثابتة و التغيير نحو مستقبل أفضل وآمن و مستقر يحتاج إلى كل إنسان قوي و ضعيف , فالقوي في مجاله , أما الضعيف نحتاجه أكثر من ذلك القوي ، وهو أن يتوقف عن عدوانيته و أن يعود للمنطق السليم و المشاركة في العمل ، و أن لا يقارن نفسه بأحد ويكفي شعوره بذلك الانتماء الرائع الذي يوهبنا جميعاً العزة و الكرامة و الإصرار على مواصلة المشوار و التماسك ، و من لا يستطيع أن يقاوم أمراضه النفسية فإنه بمثابة تلك النار التي تحرق نفسها إن لم تجد شيئاً تحرقه .. لذا أنا أشاهد القادم مليء بالخير ، و أن الشر سيتلاشى من الوجود بإذن الله ، و إن الوقت قد حان لكي نغسل عدن خاصة و الجنوب عامة من الأحزان ، و نقول لكل جنوبي إنه كان حلماً وأصبحت ملامحه في الأفق واضحة على أن نتماسك في بلوغه, إنها حالة تبدو غريبة عندما تسيطر علينا بعض الذكريات و التي ما زالت مؤثرة في واقعنا المعاصر , إنه الانتماء إلى تلك الصور التي لم يمحها الزمن, قطعاً إنها ثقافة الذاكرة و النسيان اللتان تسبحان في أعماق النفس البشرية و إن كان بينهما نقيض فالذاكرة قد تعود بنا إلى الماضي الجميل أو الحزين , فالجميل يمنحنا الطاقة إلى التجديد و العمل , أما الحزين قد يسلبنا تلك الطاقة, و قد يمنحنا الطاقة من جديد إذا عزمنا على الوفاء لأولئك المخلصين لهذا الوطن, و لكي تستمر الحياة العامة أرى أنهما نعمتان منحهما الله تعالى للبشرية على أن يكون ميزان الفكر و المنطق الإيجابي من قبلهما كما ينبغي أن يكون ، و بهذا نرى أن المثل العليا هي تلك التي تتألق نحو تذكر الماضي الجميل في ظل وجود قوة خفية ذاتها التي ولدت طاقة أخرى للنسيان تلك هي الأحزان و هنا فقط تسمو تلك الثقافة .
مقالات أخرى