آخر تحديث :الخميس 25 ابريل 2024 - الساعة:01:32:00
الإعلام الجنوبي.. بين الماضي والحاضر وموجبات المستقبل
("الأمناء" كتب/ باسم فضل الشعبي:)

بعد أن عانى الجنوبيون كثيرًا في الماضي من إنتاج إعلام حقيقي..

الإعلام الجنوبي.. بين الماضي والحاضر وموجبات المستقبل

بعد تحرير عدن من الحوثي بدأت مرحلة إعلامية جديدة بالجنوب

ما التحديات والصعوبات التي تواجه الإعلام الجنوبي في هذه المرحلة المهمة؟

 

بدأ الإعلام الجنوبي مرحلة جديدة منذ سنوات، وتحديدا منذ تحرير العاصمة عدن في يوليو 2015، حيث استطاع أن يمسك بالأدوات، وتدفقت في عروقه الكثير من المياه النقية لينتعش من جديد، في واقع شهد فيه الإعلام اليمني حالة من التراجع والخفوت بسبب أزمة الحرب القائمة منذ سنوات ثمان.

وفي المراحل السابقة، خصوصا منذ انطلاق ثورة الحراك الجنوبي في يوليو 2007، كان الإعلام الجنوبي يعاني كثيرا رغم بروز عدد من وسائل الإعلام المختلفة في الجنوب المعبرة عن ثورة الشعب، لكن ذلك لم يشفع للإعلام بأن يكون في المستوى المطلوب يومها.

تعرض الإعلام الجنوبي للكثير من التشويش والقمع والاختراق، وساهم عدم توفر الإمكانات الكافية في جعل ماضي الإعلام الجنوبي أكثر تواضعا من الآن.

 

معاناة الماضي

عانى الجنوبيون كثيرًا في الماضي من إنتاج إعلام حقيقي يعبر عن آمالهم وتطلعاتهم، ومرت بهم مراحل طويلة لم يتمكنوا فيها من امتلاك وسائل إعلام او صحافة مستقلة، إذ لم تشجع الدولة الجنوبية قبل تحقيق الوحدة التعددية في وسائل الإعلام، حيث كانت تحتكر الإعلام لصالح الدولة فقط، فضلا عن كونها لم تشجع الجنوبيين من الدراسة والتخصص في مجالات الإعلام والصحافة، كما كان عليه الحال في الشمال، ومن هذا المنطلق أصبح الإعلام الجنوبي الرسمي يومها حكرا على الصحفيين والإعلاميين القادمين من الشمال، إلا من أعداد قليلة من الجنوبيين لم يكن لهم حضور كبير ومؤثر.

وبعد الوحدة بين الجنوب والشمال، وجد الإعلاميون والصحفيون الجنوبيون، على قلتهم، أنفسهم مهمشين ومستبعدين محاربين، وتقلصت الفرص أمامهم بصورة كبيرة، سواء على مستوى الدراسة والتخصص في مجال الإعلام، أو العمل في وسائل الإعلام الجنوبية الرسمية، التي سيطر عليها نظام صنعاء سيطرة كاملة، لا سيما بعد أحداث حرب صيف 94 المشؤومة، وأصبح الإعلام من يومها موجهًا لخدمة مصالح نظام الهضبة الحاكمة في الجنوب.

ويمكن التأكيد أن المراحل النضالية التي مر بها الجنوب منذ ما بعد حرب الاحتلال اللعينة، لم تكن تحظى بتغطيات إعلامية كبيرة، إلى أن تفجرت ثورة الحراك السلمي في يوليو 2007، وجد الجنوبيون أنفسهم بحاجة لإعلام جنوبي مستقل وحر، لإيصال صوتهم للعالم، ونقل أحداث ثورتهم المتسارعة دون تلوين أو تشويش، لكن ذلك لم يشفع لهم بامتلاك صحف ووسائل إعلام خاصة ومستقلة، بسبب رفض نظام صنعاء منح التراخيص في هذا المجال، وهو ما دفع الشباب الجنوبي بالتوجه للمنتديات والمدونات على مواقع شبكة الإنترنت، في وقت كانت فيه وسائل الإعلام الخارجية أيضا حكرًا على الشماليين، ولم يكن هناك مراسلين جنوبيين لوسائل إعلام خارجية كوكالات أنباء عالمية، وقنوات، وصحف، إلا بالنادر.

لكن هذا لم يمنع الجنوبيين الذين وجدوا أنفسهم بحاجة للإعلام أكثر من أي وقت مضى، الأمر الذي أدى إلى  إرسال المزيد من الشباب الجنوبي للدراسة في قسم الإعلام بجامعة عدن والتخصص في مجالات الإعلام المختلفة، لإيجاد كادر مؤهل ومحترف قادر على شق طريقه المهنية لخدمة قضيته السياسية العادلة، والتعبير عن ثورته الظافرة التي أخذت في التوسع والانتشار.

وفي هذه المرحلة الثورية السلمية التي مر بها الجنوب، ظهرت قنوات وصحف ومواقع إعلامية جنوبية، لكنها سرعان ما اختفت وتراجعت، إما لقلة الإمكانيات أو بسبب اختراقات النظام الحاكم، الذي سعى لتدمير كل الأصوات الجنوبية المعبرة والمناهضة، ومنها على وجه الخصوص صحيفة الأيام العدنية.

 

امتلاك الحاضر

بعد تحرير العاصمة الجنوبية عدن من تحالف الحوثي وعفاش في يوليو 2015، بدأت مرحلة جديدة في الجنوب، استطاع فيها الجنوبيون من التواجد في الإعلام الخارجي كمراسلين لأهم القنوات الإخبارية، كما استطاعوا امتلاك مواقع إخبارية خاصة وصحف، بالإضافة إلى نشاطهم المكثف الذي أتاحته وسائل التواصل الاجتماعي، والذي لعب دورا كبيرا في التعبير عن تطلعات الجنوبيين، والدفاع عن المنجزات السياسية والمكاسب العسكرية التي تحققت بفضل المقاومة الجنوبية البطلة.

ويمكن القول إن الجنوبيين امتلكوا الحاضر بصورة جيدة جدًا وأصبح صوتهم مسموعًا ومؤثرًا بصورة أكبر، حيث شرع المجلس الانتقالي الجنوبي الإطار السياسي الجنوبي الأكثر انتشارا وتأثيرا منذ تأسيسه قبل نحو ست سنوات، إلى دعم الإعلام بصورة مكثفة، حيث أصبح المجلس يمتلك قناة فضائية مستقلة، وإذاعة محلية خاصة، ومواقع على شبكة الإنترنت، ومؤخرا اتجه نحو تأسيس هيئة جنوبية خاصة بالإعلام، وأنشأ معهدًا للتدريب والتأهيل الإعلامي، وتقديم الدعم للكثير من الإعلاميين الجنوبيين الموالين للمجلس.

وفي الأثناء تجري الترتيبات الكاملة لانعقاد المؤتمر الأول للصحفيين والإعلاميين الجنوبيين، الذي من المقرر أن يتمخض عنه كيان نقابي مهني، يمثل حاضنا للمئات من الإعلاميين والصحفيين الجنوبيين، بالإضافة إلى توسيع مساحة الحرية، وتأهيل الكوادر الإعلامية والصحفية، ودعم امتلاك وسائل الإعلام للراغبين في ذلك من المستثمرين والناشطين.

 

موجبات المستقبل

مثلما هو الحاضر مبني على التنافس، ويبقى فيه الأفضل والأقوى، فإن المستقبل يحتاج أيضا إلى تنافس أكبر، وأفضلية قصوى، بإمكانها تحقيق الأهداف المرجوة والمنتظرة.

لذا فإنه أمام الإعلام الجنوبي مرحلة مهمة فيها من التحديات والصعوبات الكثير، وفيها من الفرص الكثير أيضا، ومن هنا يجب البناء جيدا على ما هو قائم اليوم وما تحقق بفعل النضال الطويل والمرير، ليكون الجميع في مستوى المرحلة التي سيلعب فيها الإعلام دوره الكبير كحامل للعملية السياسية، ورافعا متينا للقضية الوطنية.

إن استشراف المستقبل مسألة صعبة ومعقدة، لكنها ضرورية، ولمن يقوم بذلك عليه امتلاك المعلومات والوقائع الكافية التي حدثت في الماضي والتي تعتمل في الحاضر، مع أهمية توفر حاسة التوقع والخيال، وكل هذه الأدوات مجتمعة تستطيع من خلالها قراءة المستقبل واستشراف أحداثه.

أتوقع أن يزدهر الإعلام الجنوبي بصورة كبيرة، ما دام هناك من يسخر كل الإمكانيات الضرورية للنجاح والتنافس والإبداع، وأكثر ما يحتاجه الإعلام الجنوبي اليوم هو التأهيل والتدريب في الداخل والخارج، والاستفادة من الخبرات والطاقات الإبداعية، التي بإمكانها أن تعطي خلاصة تجربتها وخبرتها في المجال الإعلامي للجيل الجديد بصورة مبسطة وسهلة ومثمرة.

علينا أن نخلق تنافسًا بناءً وخلاقًا بهدف التطور والنجاح، وليس بهدف الهدم ووضع العقبات والمطبات وبعثرة الجهود، لأن الإعلام مجال إبداعي وحساس، كونه مرتبط بالسياسة والشأن العام، فضلا عن كونه أداة مهمة من أدوات التغيير في المجتمع وعلى مستوى الدول والكيانات المختلفة.

إن قضيتنا الوطنية في الجنوب التي عانت من التهميش طويلا بفعل عدم امتلاك الجنوبيين للأدوات الفاعلة فيما مضى، هي اليوم في وضع أفضل يمكنها بوجود الإعلام الهادف والوطني من البناء على المكاسب التي حققتها، وخلق فرص جديدة أمامها لتكون في صدارة المشهد السياسي على الصعيد الداخلي والخارجي، وهذا ما سيحدث وما ينبغي أن يكون.

كلنا أمل في أن تنجح الجهود الرامية إلى عقد مؤتمر الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين، وهي تمضي باطِّراد وحماس كبيرين، لجعل مستقبل الإعلام في الجنوب أكثر إشراقًا وقوةً وتأثيرًا وتعددًا وحريةً.







شارك برأيك